للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مفهوم الكلام يقتضي حصره في النذارة لمن لا يؤمن، وبقي كونه قادرًا على إنزال ما شاء الكفار من الآيات.

وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي" (١) معناه حصره بالبشرية بالنسبة إلى الاطلاع على بواطن الخصوم، لا بالنسبة إلى كل شيء؛ فإن له أوصافًا أخر كثيرة. وكذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد: ٣٦] الآية: يقتضي والله أعلم الحصر، باعتبار من قدمها على الآخرة وقدمها عليها؛ وأما بالنسبة إلى ما في نفس الأمر فقد تكون سبيلًا إلى الخيرات، أو يكون ذلك من باب التغليب للأكثر في الحكم على الأقل؛ وكذلك هذه الآية: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} فإن ظاهرها يقتضي قصر الحكم على ما ذكر، وكم من محرم ورد تحريمه على لسان الشارع، ولم يذكر هنا، فالمراد والله أعلم قصر الحرمة على ما ذكر، مما استحل الكفار لا مطلقًا، وقصر ذلك على حال الاختيار، كأنه قال: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ} هذه الأشياء، ما لم تضطروا إليها.

وقال البقاعي في "نظم الدرر": معناه والله أعلم: إنكم حرمتم الوصيلة والسائبة، وغيرهما مما أحله الله، وأحللتم الميتة والدم، وغيرهما مما حرمه الله، ولم يحرم الله عليكم من السائبة، وما معها مما حرمتموه، ولا غيره مما استحللتموه، إلا ما ذكرته هذه الآية، وإذا راجعت ما في قوله تعالى في الأنعام: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١١٨] وقوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] وقوله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: ١٤٥] عرفت المراد من هذه الآية. انتهى.

فهذا وردت لفظة "إنما" فاعتبرها، فإن دلّ السياق، والمقصود من الكلام على الحصر في شيء مخصوص، فقل به، وإن لم يدل على الحصر في شيء مخصوص، فاحمل الحصر على الإطلاق.


(١) هو في "صحيح الجامع الصغير" ٢٣٤٢.

<<  <   >  >>