للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليشمل العلم به من علم الغيب قبل كونه، وبعد كونه، ومن لا يعلم الغيب إلا عن علم بما ينبئ عنه نون الاستتباع، فهذا وجهه ووجه ما يرد من نحوه في القرآن والسنة، انتهى.

وأراد بنون الاستتباع: نون "نعلم" لأنها للمتكلم، و "من يستتبعه"، أي: من يكون معه، وقوله: "ووجه ما يرد إلخ"، أي: من مثل قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} [ق: ١٦، الواقعة ٨٥] وكل ما أتى فيه بالنون الدالة على المتكلم وعلى غيره، وهذا جواب عما يقال: كيف؟ يقال: لنعلم، ولم يزل عالمًا بذلك؟

وحاصل الجواب: أن معنى {لِنَعْلَمَ}، لنجعل علامة، مجاراة لكم على عادتكم، لأنكم لا تعلمون الشيء إلَّا بعلامة تدل عليه، وهو معنى حسن؛ وأجاب الزمخشري عنه بقوله: معناه لنعلمه علمًا يتعلق به الجزاء، وهو أن يعلمه موجودًا حاصلًا. انتهى.

ومعناه: أن الفعل قبل وجوده يستحيل أن يعلمه الله موجودًا، فقوله: {إِلَّا لِنَعْلَمَ}، معناه: إلا لنعلمه موجودًا: وهذا التأويل مبني على أن علم الله بأن الشيء سيوجد، هل هو علم بوجوده إذا وجد؟ فيه خلاف مشهور عند المتكلمين محله كتب الكلام.

وهنا قول آخر، وهو: إنما قيل: {إِلَّا لِنَعْلَمَ}، وهو بذلك عالم قبل كونه، وفي كل حال، على وجه الترفيق بعباده، واستمالتهم إلى طاعته، على حد قوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: ٢٤] وقد علم أنه "على هدى" وأنهم على {ضَلَالٍ مُبِينٍ}؛ ولكنه رفق بهم في الخطاب، فلم يقل: أنا على {هَدَى}، وأنتم على {ضَلَالٍ}، وكذلك قوله: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} والمعنى: إلا لتعلموا أنتم إذ كنتم جهالًا به، قبل كونه، فأضاف العلم إلى نفسه رفقًا بخطابهم، وهو معنى حسن.

هذا وقد تظاهرت الأخبار بأنه لما حُوّلت القبلة من بيت المقدس إلى

<<  <   >  >>