للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: حدثنا بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله، عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع، عن سلمة، ثم قال: قال أبو عبد الله: مات بكير قبل يزيد؛ انتهى.

فأشار إلى أن رواته ثقات على شرطه، ولكن السماع يحتمل الوهم، فلم يأخذه البخاري على عاتقه، ولكنه أشار إليه، فرحمه الله ما أدق نظره، ورواه مسلم بعين هذا الإسناد، لكنه لم ينبه على علته.

وفي لفظ لمسلم عن سلمة، قال: "كنا في رمضان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، من شاء صام، ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين، حتى أنزلت هذه الآية {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] ". هذا وإن سلمنا فيه النسخ، فإنه منصب على عدم القضاء، كما يشير إليه قول سلمة: من شاء صام ومن شاء أفطر، ثم نزل قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فدل على وجوب الصوم اللازم منه القضاء، فهذه الآية تفسير لتلك لا ناسخة لها، وإلى هذا يشير ما نقله أبو الليث السمرقندي، في تفسيره، حيث قال: قال أبو عبيد: قد علمنا بالإجماع أن المطيق للصوم لا يجزئه الإطعام دون الصوم. انتهى.

أي: فلا بد مع الإطعام من القضاء، وقال القرطبي في شرح مسلم: جمهور العلماء على أن الإطعام عن كل يوم مد؛ وقال أبو حنيفة: مدان، ووافقه صاحباه، وقال أشهب المالكي: مد وثلث لغير أهل المدينة، هذا ما ذكره من الخلاف، والمعول عليه هو قول الجمهور (١).

وقوله تعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ}. راجع إلى الإطعام، أي: {فَمَنْ} أطعم مسكينين، فهو أفضل من إطعام مسكين، {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} من إطعام مسكينين، وإلى هذا ذهب ابن عباس ومجاهد، وطاوس وعطاء والسدي، وغيرهم كما رواه عنهم ابن جرير في تفسيره.


(١) أي: ويقدر الآن بكيلو غرام من القمح والرز، وأكثر أهل العلم يفتي بأكثر من ذلك احتياطًا ولمصلحة الفقير. واتباعًا لباقي الآية الكريمة {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا}: أتى من الخير في الإطعام.

<<  <   >  >>