للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٢].

أي: {وَوَصَّى بِهَا} أي: بهذه الكلمة، أعني بقوله: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، {بَنِيهِ} عهد إليهم بذلك، وأمرهم به، {وَ} وصى بها من بعده {يَعْقُوبُ} بنيه أيضًا، وقال المهدوي: ضمير {بِهَا} عائد على ال {مِلَّةِ}، وهذا القول أجمع من عوده على الكلمة، إذ الكلمة بعض الملة، ومعلوم أنه لا يوصي إلَّا بما كان أجمع للفلاح والفوز في الآخرة، والأول مختار ابن جرير. والوصية هي: المتقدم في الشيء النافع المحمود عاقبته.

وقوله: {يَابَنِي} على إضمار القول عند البصريين، أي: قالا: {يَابَنِي}، فيكون القول محذوفًا. وعند الكوفيين، يتعلق بـ {وَصَّى} لما فيه من معنى القول: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} أي: أعطاكم الدين الذي هو صفوة الإيمان، وهو دين الإِسلام، ووفقكم للأخذ به، {فَلَا تَمُوتُنَّ} أي: فلا يكن موتكم إلا على حال كونكم ثابتين على الإِسلام، فالنهي في الحقيقة عن كونهم على خلاف حال الإِسلام، إذا ماتوا، فإن موتهم على غير حال الإِسلام موت لا خير فيه، وليس هو موت السعداء، وأدخل الألف واللام في {الدِّينَ}، لأن الذين خوطبوا بتلك الوصية كانوا عارفين له ومتدينين به، ومعنى: {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} لا تفارقون هذا الدين أيام حياتكم لأنكم لا تدرون متى تأتيكم مناياكم حتى تموتوا عليه.

وقد اشتملت هذه الجملة على لطائف منها الوصية، ولا تكون إلا عند خوف الموت، ففي ذلك ما كان عليه إبراهيم من الاهتمام بأمر الدين حتى {وَصَّى بِهِ. . بَنِيهِ}، ومنها اختصاصه بنيه، ولا يختصهم إلَّا بما فيه سلامة عاقبتهم، ومنها أنه عمم بنيه ولم يخص أحدًا منهم، ومنها إطلاق الوصية، ولم يقيدها بزمان ولا مكان، ثم ختمها بأبلغ الزجر أن يموتوا غير مسلمين ثم التوطئة لهذا النهي والزجر بأن الله هو الذي اختار لكم دين الإِسلام.

<<  <   >  >>