للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى: {تَعْلَمُونَ} منزلة اللازم، قصدًا إلى إثبات حقيقته في مقام المبالغة، فكأنه قيل: وأنتم من أهل العلم والمعرفة، والتوبيخ فيه آكد، أي: أنتم العارفون المميزون، ثم إن ما أنتم عليه من أمر ديانتكم من جعل الأصنام لله أندادًا هو غاية الجهل، ونهاية سخافة العقل، هذا التفسير على تقدير تنزيل الفعل المتعدي منزل اللازم، ويجوز أن تجعل المفعول محذوفًا لقرينة تدل عليه، وتقديره: وأنتم تعلمون أنه لا يماثل، أو أنتم تعلمون ما بينه وبينها من التفاوت، أو: أنتم تعلمون أنها لا تفعل مثل أفعاله، كما قال في موضع آخر: {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الروم: ٤٠] وهذه التقديرات ذكرها صاحب الكشاف، وهي في غاية اللطافة.

وللسلف في تفسير الآية مسالك، إيرادها يزيد المقام إيضاحًا، وهي:

قال ابن عباس، وابن مسعود، وناس من الصحابة، في قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}، معناه: أكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية الله تعالى.

وقال ابن وهب، قال ابن زيد (١): الأنداد الآلهة التي جعلوها معه، وجعلوا لها مثل ما جعلوا له.

وقال أبو جعفر الطبري: إن الله تعالى عنى بهذه الآية كل مكلف عالم بوحدانية الله، وأنه لا شريك له في خلقه، مشرّك له في عبادته غيره كائنًا من كان من الناس، عربيًا كان أو أعجميًا، كاتبًا أو أميًا، وإن كان الخطاب لكفار أهل الكتاب، الذين كانوا حوالي دار هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأهل النفاق منهم: وممن بين ظهرانيهم، ممن كان مشركًا، فانتقل إلى النفاق بمقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، انتهى.

وبه يتضح أنه ليس في العالم أحد يثبت لله شريكًا يساويه في الوجود والقدرة، والعلم والحكمة، وهذا مما لم يوجد، حتى إن المنكرين لوجوده يحومون حول إثبات صانع سواه، فيتحيرون ولا يجدون إليه سبيلًا، ولكن الجهل


(١) كانت في الأصل (يزيد) والتصويب من تفسير الطبري بتحقيق العلامة الأستاذ محمود شاكر.

<<  <   >  >>