للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا احتجاج لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، على مشركي قومه من العرب، ومنافقيهم، وكفار أهل الكتاب، وضلالهم الذين افتتح بقصصهم قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦)} [البقرة] وإياهم يخاطب بهذه الآيات، ويدحض الشبهة عنهم في كون القرآن معجزة، ويريهم كيف يتعرفون أهو من عند الله كما يدعي، أم هو من عند نفسه، كما يدعون؟ بإرشادهم إلى أن يقدروا أنفسهم، ويذوقوا طباعهم، وهم أبناء جنسه وأهل جلدته.

فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ} أيها المشركون من العرب، والكفار من أهل الكتابين، أنتم ومن كان على شاكلتكم، {فِي رَيْبٍ} أي: في شك {مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} محمد - صلى الله عليه وسلم -، من النور الساطع، والبرهان القاطع، وآيات القرآن، وأني أنزلته إليه فلم تؤمنوا به، ولم تصدقوه فيما يقول: {فَأْتُوا} بحجة تدفع حجته، لأنكم تعلمون أن حجة كل صاحب نبوة على صدقه في دعواه النبوة، أن يأتي ببرهان يعجز جميع الخلق عن أن يأتوا بمثله، ومن حجة محمد - صلى الله عليه وسلم - على صدقه، وبرهانه على نبوته، وأن ما جاء به من عندي، عجز جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم، عن أن يأتوا بسورة من مثله، وإذا عجزتم عن ذلك وأنتم أهل البراعة في الفصاحة، والبلاغة والدراية، فقد علمتم أن غيركم عما عجزتم عنه من ذلك أعجز، كما كان برهان من سلف من رسلي وأنبيائي على صدقه، وحجته على نبوته، من الآيات ما يعجز عن الإتيان بمثله جميع خلقي، فتقرر حينئذ عندكم أن محمدًا لم يتقوله، ولم يختلقه، لأن ذاك لو كان منه اختلاقًا وتقولًا، لم يعجز جميع خلقي عن الإتيان بمثله، لأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، لم يتجاوز أن يكون بشرًا مثلكم، وفي مثل حالكم في الجسم، وبسطة الخلق، وذرابة اللسان، فيمكن أن يكون به اقتدار على ما عجزتم عنه، أو يتوهم منكم عجز عما اقتدر عليه.

والعدول عن "أنزلنا" المزيد في أوله الهمزة، إلى {نَزَّلْنَا} المضاعف العين، لأن المراد النزول على سبيل التدريج والتنجيم، وهو من مقاطعه (١) لمكان


(١) هكذا العبارة عند الشيخ بدران، وبالرجوع إلى "الكشاف" ١/ ١٨٤ فوجدناها محازه: أي من أصحاب المحز ومكان القطع.

<<  <   >  >>