للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأصل الثالث: ما انطوى عليه من الإعلام بالمغيبات الكائنات في الأزمنة السابقة، وما لم يكن ولم يقع بعد، فوجد في الأيام اللاحقة مطابقًا لما ورد، ومن أهمها: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر] فكان كذلك لا يكاد يُعدُّ من سعى في تغييره، وتبديل محكمه من الحلولية والاتحادية، وأمثالهما، والمعطلة القائلين بتعطيل الكون عن المكون، لا سيما القرامطة، فأجمعوا كيدهم، وجهدهم وقوتهم، إلى يومنا هذا، فما قدروا على إطفاء شيء من نوره، ولا تغيير كلمة من كلامه، ولا تشكيك المسلمين في حرف من حروفه، على أنه لا عبرة بمن اغتر بشيء من كلام الملحدين، فظنه تصوفًا، فخرج من العقل إلى الجنون.

الأصل الرابع: ما أنبأ به من أخبار القرون الماضية، والأمم الهالكة الفانية، والشرائع الدارسة، مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا الفرد الواحد، من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك، فيورده النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجهه، ويأتي به كما قرأه من غير تصرف في لفظه، فيعترف العالم بذلك بصحته وصدقه، وأن مثله لم ينله بتعليم، وقد علم جميعهم أنه - صلى الله عليه وسلم - أميّ لا يقرأ ولا يكتب، في جميع عمره، ولا اشتغل بمدارسة مع العلماء، ولا مجالسة مع الشعراء والفضلاء، ولم يغب عنهم غيبة يمكنه التعلم فيها من غيرهم، ولا جهل أحد منهم حاله منذ كان صغيرًا إلى أن بعث كبيرًا، وقد كان أهل الكتاب كثيرًا ما يسألونه عن أشياء، فينزل عليه من القرآن ما يتلو عليهم منه ذكرًا، فلم يقدروا على تكذيب ما ذكره، بل كانوا يذعنون لذلك، فمن توفق آمن، ومن شقي تولى حسدًا وعنادًا، ومن لم ينكر ولم يكذب، وادعى أن عنده مخالفة لما في الذكر الحكيم، أقام عليه الحجة، وكشف دعوته وقال له: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١، والنمل: ٦٤].

ومما ينتظم في سلك هذه الأصول، الروعة التي تلحق قلوب سامعي القرآن وأسماعهم عند سماعه، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله ورفعة قدره، وعظمة أمره، وهي على المكذبين به أعظم، حتى إنهم يستثقلون سماعه،

<<  <   >  >>