أولي الجد والاجتهاد، وخلاصة طرق أقوام هم نجوم الهدى وأئمة الاقتداء، وعلماء المنقول والمعقول، وروضة الناظر وجنة المناظر، ومنتهى السول، والورد المستصفى وتنقيح مسالك المجتهدين من أئمة الدين، ومحصول الحاصل، وعدة المستعد لاستنباط الأحكام من الكتاب السنة، والمقترح الذي يحوم حوله كل مقترح، ونهاية الجدل ولباب القياس.
وإنني كنت أيام الطلب صحبته منذ البداية ونزهت الطرف في حدائقه الغناء، ونادمته منادمة العاشق لمعشوقه، والتقطت فرائده من أفواه الشيوخ الذي كان الزمن سمح ببقائهم، ولم يكن يومئذ أحد من الطلبة يذكر هذا الفن أو يتكلم به بشفتيه، زاعمين أنه يفتح باب الاجتهاد وذلك الباب قد أوصد منذ قرون متطاولة، حتى كنت أسمع من كثير ممن يدعي العلم يقول: ما ضر الأمة إلا فن الأصول، لأنه يعلم الناظر فيه الأخذ بالدليل. فكنت لا أعبأ بالواشي ولا أميل إلى اللاحي مهما كانت رتبته، فشرعت بقراءة شرح الورقات، وشرح شرحها للعبادي، وحصول المأمول من فن الأصول، ثم بشرح جمع الجوامع للمحلي، مع مطالعة حواشيه وشرحه للعراقي، وبشرح المنهاج للبيضاوي، وبشرح العضد على مختصر ابن الحاجب، وبمطالعة شروحه، وبالتوضيح شرح التنقيح، وحاشيته التلويح، وبشرح المرآة مع مطالعة حواشيها، هذا مع ما كنت أشتغل به من الفنون التي هي مواد هذا الفن، ولا يخفى مكانها ومواد الكتاب والسنة.
وإني بحمد الله تعالى لم أقرأ على الشيوخ إلا مدة لا تزيد عن خمس سنين مع الإشراف على فنون المعقول، ومنها الهيئة وفن المواقيت، وغير ذلك، ولا أذكر هذا تبجحًا وافتخارًا وإنما أذكره شكرًا لله على ما أنعم وفتح علي به، فله الحمد حمدًا يدوم على الدوام وأساله تعالى أنه كما عودني لطفه وإحسانه الجزيل فيما مضى أن يديم ذلك علي فيما بقي، وأن يعينني على نشر العلم ويجعل بيني وبين القواطع سدًا مسدودًا ويمنع عني مراوغة الأعداء وكيد الحساد، ومكر أعداء العلم وأهله، فإنه لا مال لي ولا بنون، إلا معونته سبحانه وتعالى ورزقه الذي