الدية، فوجب أن يكون ذلك الواجب هو الدية، وهذا يدل على أن موجب العمد هو القود أو المال ولو لم يكن كذلك، لما كان المال واجبًا عند العفو عن القود.
ومما يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:{ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}، أي: إثبات الخيار لكم في أخذ الدية، وفي القصاص، {رَحْمَةٌ} من الله عليكم، لأن الحكم في اليهود حتّم القصاص، والحكم في النصارى حتم العفو، فخفف عن هذه الأمة، وجعل لهم التخيير بين القصاص والدية. و {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ} الله {وَرَحْمَةٌ} في حق هذه الأمة؛ لأن ولي الدم قد تكون الدية آثر عنده من القود، إذا كان محتاجًا للمال، وقد يكون القود آثر، إذا كان راغبًا في التشفي، ودفع شر القاتل عن نفسه، فجعل الخيرة له فيما أحبه، {وَرَحْمَةٌ} من الله في حقه.
ودلت الآية على أن مرتكب الكبيرة، لا يخرج بارتكابها عن الإيمان, لأنه تعالى قال:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} فسماه أخًا، ولا شك أن هذه الأخوة تكون بسبب الدين، لقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: ١٠] فلولا أن الإيمان باقٍ مع الفسق، لما بقيت الأخوة الحاصلة بسبب الإيمان.
وقوله تعالى:{تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} اسم الإشارة فيه يعود إلى الحكم المذكور من العفو والدية، وأضاف هذا التخفيف إلى الرب, لأنه المصلح لأحوال عباده، الناظر لهم في تحصيل ما فيه سعادتهم الدينية والدنيوية.
وقد حصل التخفيف على هذه الأمة، من أن أهل التوراة كتب عليهم القصاص البتة، وحرم العفو وأخذ الدية، وكتب على أهل الإنجيل العفو، وحرم القصاص والدية.
وأما هذه الأمة فقد خيرت بين الثلاث: القصاص والعفو والدية، توسعة عليهم وتيسيرًا. وعطف {رَحْمَةٌ} على {تَخْفِيفٌ} لأن من استبقى مهجتك بعد