للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [الفتح: ١٠]، وهذا المعنى ليس بكثير البعد عن معنى الآية، لأنهم لما خادعوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، كانوا كالمخادعين لله تعالى، ولكن ما ذكرناه أقرب إلى المرام، ومن قول من قال أيضًا: إن صورة حالهم مع الله حيث يظهرون الإيمان، وهم كافرون، صورة من يخادع، وصورة صنيع الله معهم حيث أمر بإجراء أحكام المسلمين عليهم، وهم عنده في عداد الكفرة صورة صنيع المخادع، وكذلك صورة صنيع المؤمنين معهم، حيث امتثلوا أمر الله فيهم، فأجروا أحكامه عليهم.

وقد أبدى أبو جعفر الطبري سؤالًا فقال: إن قال قائل: وكيف يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعًا، وهو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلا تقية؟ وأجاب بما حاصله: أن العرب لا تمتنع من أن تسمي مثل هذا خداعًا، ولما كان المنافقون يظهرون ذلك، ليتخلصوا من القتل والسباء في العاجل، وطمعوا في أموال الغنائم، وهم لغير ما أظهروا مستبطنون، كان فعلهم هذا خداعأ لأنفسهم في الحقيقة، لأنهم يظهرون لما يفعلون من ذلك بها، أنه يعطيها أمنيتها، ويسقيها كأس سرورها، وهم يوردونها به حياض عطبها، ويجرعونها به كؤوس عذابها، ويزيدونها من غضب الله، وأليم عقابه ما لا قبل لها به، فذلك خديعتهم أنفسهم، ظنًا منهم مع إساءتهم إليها في أمر معادها، أنهم إليها محسنون، كما قال تعالى:

{وما يخدعون إلا أنفسهم ولا يشعرون} إعلامًا منه عباده المؤمنين، أن المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم، وإسخاطهم ربهم بكفرهم، وشركهم وتكذيبهم، غير شاعرين، ولا دارين، ولكنهم على عمياء من أمرهم مقيمون، ومن هنا تعلم أن المفاعلة أتت على بابها، من كونها بين اثنين، والمعنى: أن المنافق يخادع الله، ويكذبه بلسانه، على ما قد تقدم وصفه، والله تعالى يجري عليه أحكام الدنيا فيوصله إلى مقصده من النجاة، من القتل والسباء، ولكنه يخذله عن حسن البصيرة بما فيه نجاة نفسه، في أجل معاده، وهذا نظير قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ

<<  <   >  >>