للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "فَإذَا وَجَبَ فَلاَ تَبْكِيَنَّ بَاكيَةٌ" (١) وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ابْنَهُ إِبْرَاهِيمَ فِي حِجْره، وَهُوَ يَجُودُ بنَفْسِهِ فَذَرَفَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقِيْل لَهُ في ذلِكَ فَقَال: إِنَّهَا رَحْمَةٌ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ، ثُمَّ قَالَ العَيْنُ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبُ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرْضِي رَبَّنَا" (٢). والندب حرام، وهو أن يعدّ شَمَائل الميت، فيقال وَاكَهْفَاهُ وَجَبَلاَهُ ونحو ذلك، وكذا النِّيَاحة والجزع بضرب الخَدِّ وشق الثوب ونشر الشَّعر كُلُّ ذَلِكَ حرام، لما روي أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَعَنَ اللهُ النَّائِحَةَ والمُسْتَمِعَةَ" (٣). وروي أنه قال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ" (٤). ولو فعل أهل الميت شيئاً من ذلك لم يعذّب الميت به، قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (٥). وما روي من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ" (٦). وفي رواية: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَاباً عَلَى عَذَابِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". فقد أوّلوه من وجوه:

منها: قال المزني: بلغني أنهم كانوا يوصون بالنَّدب (٧) والنياحة، وذلك حمل منهم على المَعْصية، وهو ذنب فزيدوا عذاباً بذلك إذا عمل أهلهم بوصيتهم، ولك أَنْ تَقُولُ: ذنب الميّت الحمل على الحرام والأمر به فوجب أَنْ لا يختلف عذابه بالامْتِثَال


(١) أخرجه مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي من رواية جابر بن عتين بأسانيد صحيحة. انظر الخلاصة (١/ ٢٧٧).
(٢) أخرجه البخاري (١٣٠٣)، ومسلم (٢٣١٥) من حديث أنس -رضي الله عنه-.
(٣) أخرجه أبو داود (٣١٢٨) وفي إسناده محمد بن الحسن بن عطية عن أبيه عن جده والثلاثة ضعفاء.
(٤) أخرجه البخاري (١٢٩٤، ١٢٩٧، ١٢٩٨، ٣٥١٩)، ومسلم (١٠٣) من رواية ابن مسعود -رضي الله عنه-.
(٥) سورة الإسراء، الآية ١٥.
(٦) أخرجه البخاري (١٢٨٦، ١٢٨٨)، ومسلم (٩٢٨).
(٧) إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي عليَّ الجيب يا ابنة معبد
ولبعضهم:
إذا شئت أن تبكي فقيداً من الورى ... وتندبه ندب النبي المكرم
فلا تبكين إلا على فقد عالم ... يبالغ في التعليم للمتعلم
وفقد إمام عادل صان بملكه ... بأنوار حكم الله لا بالتحكم
وفقد ولي صالح حافظ الوفاء ... مطيع لرب العالمين معظم
وفقد شجاع صادق في جهاده ... قد انتشرت أعلامه للتقدم
وفقد سخي لا يمل من العطا ... يفرج هم العسر عن كل معدم
فهم خمسة يبكي عليهم وغيرهم ... إلى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم
وقيل: أن أم قشعم كانت ناقة مجنونة ألقت رحلها في النار.

<<  <  ج: ص:  >  >>