للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهما المسألتان اللتان يشتمل عليهما الفصل الثالث ونشرحهما إذا انتهينا إليه، والخلاف الذي أبهم ذكره في جميع الصُّوَرِ وَجْهَان، إلا في وجود الاخْتِلاَط في أول السَّنة فهو في هذه المسألة قولان ستعرفهما؟ ولك أن تعلم قوله: "وشرط الخلطة اتحاد المَرْعَى والمَسْرَح ... " إلى آخره بالميم؛ لأن ابن الصَّبَّاغ حكى عن أصحاب مالك اختلافاً في الأمور التي شرطناها في الخلطة، فمنهم من شرط اجتماع المالين في أمرين منها، ومنهم من اعتبر الرَّعي والرَّاعي، ومنهم من اعتبر الرَّعي وأمراً آخر أيّما كان.

قال الغزالي: وَفِي تَأْثِيرِ الخُلْطَةِ فِي الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ، فَعَلَى الثَّالِثِ يُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الشُّيُوعِ دُونَ الجِوَارِ، وَلاَ تُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الجِوَارِ فِي مَالِ التِّجَارَةِ، وَفِي الشُّيُوعِ قَوْلاَنِ.

قال الرافعي: لا خلاف عندنا في تأثير الخَلْطَة في المَوَاشي، وهل تؤثر في غير المواشي من الثِّمار والزروع والنقدين وأموال التجارة؟ أما خلطة المشاركة ففيها قولان:

القديم: وبه قال مالك وكذلك أحمد في أَصَحِّ الرِّوايتين أنها لا تثبت بخلاف المَوَاشي، فإنّ فيها أوقاصاً فالخلْطَة تنفع المالك تارة والمسكين أخرى، ولا وَقْصَ في المُعشرَات، فلو أثبتنا الخلطة فيها لتمحَّضت ضرراً في حقِّ المالكين، لأنها تضر فيما إذا كان ملك كل واحد منهما دون النصاب، ولا يثبت نفع بإزائه واحتج له أيضاً بظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وَالْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا فِي الْحَوْضِ وَالْفَحْلِ وَالرَّعْي" (١). فإنه يقتضي حصر الخَلِيطَيْن في المجتمعين في هذه الأمور، وذلك لا يفرض إلاَّ في المواشي.

والجديد: أنها تثبت؛ لأنهما كما يَرْتَفِقَان بالخلطة في المَوَاشي لخفّة المُؤْنة باتِّحاد المرافق كذلك يرتفقان في غيرهما باتحاد الجرِين والنَّاطُور والدّكان، والحَارِس والمتعهّد وكرَّاء البيت وغيرها.

واحتج له بإطلاق قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ" (٢). وأما خلطة المُجَاورة: فإن لم تثبت خلطة المُشَاركة، فهذه أوْلى وإن أثْبتنا تلك ففي هذه قولان ومنهم من يقول: وجهان، وذلك بأَنْ يكون لكلِّ واحد صف نخيل أو زرع في حائط واحد أو كيس دراهم في صندوق واحد أو أمتعة تجارة في خزانة واحدة.

أصحهما: عند العراقيين وصاحب "التهذيب" والأكثرين: أنها تثبت أيضاً كما في المَوَاشي، وهذا الحصول حصول ارتفاق باتحاد النَّاطُور والعَامِلِ والنَّهْرِ الذي منه تسقى وباتحاد الحارث ومكان الحفظ وغيرها.


(١) تقدم.
(٢) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>