وأصحهما وبه قطع الجمهور: وجوب الزَّكَاة فيها قولاً واحداً بخلاف المغصوب، فإنه يتعذّر الوصول إليه وانتزاعه، وهاهنا يمكنه تسليم الثَّمَن وتسلّم المبيع.
الثالثة: لو رهن ماشيته أو غيرها من أموال الزَّكاة، فقد حكى الإمام والمصنف في "الوسيط" في وجوب الزكاة فيها عند تمام الحول وجهين لامتناع التَّصرف، وعلى ذلك جرى هاهنا فأثبت الخِلاَف في المَرْهُون كما في المغصوب والمجحود ونحوهما، وقطع الجمهور بوجوب الزكاة فيه، وقالوا: لا اعتبار بامْتناع التَّصرف فيه كما في الصَّبي والمَجْنُون، ولهم أن يفرقوا بين الحَيْلُولة وامتناع التصَّرف الواقعين في المرهون وبين الحيلولة وامتناع التصرف الواقعين في المغصوب بأن ما حصل في المرهون حصل برهنه وإقباضه، وهو بما فعل متنفع بملكه ضرباً من الانتفاع - بخلاف المغصوب والمجحود، نعم يجيء في وجوب الزكاة في المرهون الخلاف بجهة أخرى، وهي أنَّ الرهن لا بد وأن يكون بِدَيْن (١) فيأتي فيه الخلاف الذي سنذكره في أن الدَّين هل يمنع وجوب الزكاة أم لا؟ والذي قاله الجمهور جواب على القول المشهور: وهو أنه لا يمنع ثم إذا حكمنا بوجوب الزكاة فيبقى الكلام في أنها تؤخذ من عين المَرْهون أو غيره، وقد ذكره في الكتاب قبيل النوع الثّاني من الزَّكاة سنشرحه إذا انتهينا إليه.
الرابعة: الدَّين الثابت على الغير إمّا أن يكون لازمًا كَمَالِ الكتابة فلا زكاة فيه؛ لأن الملك غير تام فيه، وللعبد إسقاطه متى شاء، وإن كان لازماً فينظر: إن كان ماشية فلا زكاة فيها أيضاً وذكروا له معنيين:
أحدهما: أن السّوم شرط لزكاة المواشي، وما في الذّمة لا يتَّصف بالسّوم ولك أَنْ تقول: لِمَ لا يجوز أن تكون الماشية الثَّابتة في الذِّمة موصوفة بوصف كونها سائمة؟
ألا ترى أنا نقول: إذا أسلم في اللّحوم يتعرض لكونه لحم راعية أو معلوفة، فإذا جاز أن يثبت في الذمة لحم راعية جاز أن يثبت في الذمة راعية.
وأصحهما: أن الزكاة إنما تجب في المال النَّامي، والماشية في الذمة لا تنمو بخلاف الدّراهم إذا ثبتت في الذِّمة فإن سبب الزكاة فيها رواجها وكونها معدة للتصرف، ولا فرق فيه بين أن يكون نقداً أو على ملئ، وإن كان الدَّيْن عروض تجارة أو دراهم أو دنانير ففيه قولان: قال في القديم فيما رواه الزعفراني: لا زكاة في الدين بحال؛ لأنه لا ملك فيه حقيقة فأشبه دين المكاتب.
(١) قال في المهمات: وما ذكره من أن مجيء الخلاف سببه أن الرهن يستلزم الدين - لا يستقيم؛ لأن الرهن وإن استلزم الدين لكن لا يستلزم أن يكون على مالك الرهن؛ لأنه قد يستعير شيئاً ويرهنه فلا يأتي المعين الذي قاله في هذه الصورة، والأصحاب لم يخصوا الخلاف بما عداها.