في السنة الثانية؛ لأنهم تسلَّطوا على إزالة ملكه تسلط الملتقط بخلاف المجحود والمغصوب، ولك أن تقول: ميل الأكثرين في صورة اللُّقَطة إلى وجوب الزكاة، وهاهنا نفوا الوجوب، والصورتان يشتركان في المعنى فهل من فارق؟
والجواب: أنه يجوز أن يقال: تسلط الغرماء أقوى من تسلط الملتقط؛ لأنهم أصحاب حق على المالك؛ ولأن تسلطهم يستند إلى تَسْلِيطِ الحاكم بخلاف تسلُّط الملتقط، وأيضاً فالملك الذي يَتَسَلَّطُون على إزالة مِلْك المالك لإثباته أقوى، ألا ترى أن للمالك استرداد اللُّقطة بعد تملُّك الملتقط على أحد الوجهين، وهاهنا بخلافه.
واعلم: أن الشَّافعي -رضي الله عنه- قال في "المختصر": ولو قضى عليه بالدّين وجعل لهم ماله حيث وجدوه قبل الحول ثم حال الحول قبل أن يقضيه الغرماء لم يكن عليه زكاه، لأنه صار لهم دونه قبل الحول، فمن الأصحاب من حمله على الحالة الأولى، ومنهم من حمله على الثانية.
والثالثة: أَنْ لا يفرِّق ماله، ولا يعين لكل واحد من الغُرَمَاء شيئاً، ويحول الحول في دوام الحَجْرِ، ففي وجوب الزَّكَاة ثلاثة طرق:
أصَحُّها: تخريجه على الخِلاَف في المَغْصُوب والمَجْحُود؛ لأن الحجر مانع من التصرف.
والثاني: القطع بالوجوب، وبه قال صاحب "الإفصاح"، لأن الملك حاصل، والحجر لا يؤثر كحجر السفيه.
والثالث: يحكى عن أبي إسحاق القطع بالوجوب في المواشي؛ لأن الحجر لا يؤثر في نمائها، وتخريج الذهب والفضَّة على الخِلاَف في المَغْصُوب لامتناع التَّصرف، وتوقف النَّماء فيها على التَّصرُّف، وإن قلنا: الدَّين يمنع الزكاة، فقد ذكر الأئمة في توجيهه أولاً شيئين، واختلفوا في أن العلّة منهما ماذا؟
أحدهما: أن ملك المَدْيون ضعيف؛ لأن مستحق الدين بسبيل مَنْ أخذه إذا لم يوفر دينه.
والثاني: أن مستحقّ الدَّين يلزمه الزّكاة على ما سبق، فلو ألزمنا المديون الزكاة أيضاً، وصار المال الواحد سبباً لزكاتين على شخصين وهو ممتنع.
ويتفرع على هذا الاختلاف صور:
إحداها: لو كان مستحق الدّين لا تلزمه الزكاة لكونه ذميّاً أو مكاتباً، فإن قلنا بالمعنى الثَّاني وجب على المديون؛ لأنه لا يلزمه التَّثنية هاهنا.