والثاني: التَّخْريج على الخلاف السابق، وإلى هذا الترتيب أشار في الكتاب بقوله: فهذا أولى بأن يمنع الزكاة.
الثانية: لو قال: جعلت هذا المال صدقة أو هذه الأغنام ضحايا فقد طرد في "النهاية" أصل التردد فيها. وقال:"الظاهر أنه لا زكاة" لأن ما جعل صدقة لا يبقى فيه حقيقة ملك بخلاف الصورة الأولى فإنه لم يتصدق وإنما التزم أن يتصدق ولفظ الكتاب يشعر أيضاً ببقاء الخلاف هاهنا، فإنه لم يجزم بامتناع الوجوب ولا نفي الخلاف وإنما نفي أن يكون للوجوب وجه بصفة الاتجاه. ولو قال:"لله عليّ أن أضحي هذه الشَّاة"، فهو كقوله:"جعلتها ضحية"، إن قلنا: إن قوله: لله عليَّ التضحية بهذه يفيد التعيين، وفيه خلاف مذكور في الكتاب في موضعه، وإن تم الحَوْل عليه لو لم يذكره لم يضّر كما لم يتعرَّض له في أخوات هذه الصُّورة، وذلك لأنه لا يخفى أن الخلاف في وجوب الزكاة حينئذ يفرض.
الثالثة: لو أرسل النذر فقال: لله علي أن أتصدق بأربعين من الغنم أو بمائة درهم، ولم يضف إلى ماشيته وورقه، فهذا دَيْن نذر لله -تعالى-، فيرتب على دين الآدميين، فإن قلنا إنه لا يمنع فهذا أولى، وإن قلنا: أنه يمنع ففي هذا وجهان:
أحدهما: يمنع؛ لأنه أيضاً دين لازم في الذِّمّة.
وأصحهُّما: عند الإمام أنه لا يمنع، وفرق بين الدينين من وجهين:
أحدهما: أن هذا الدَّين لا مطالب به في الحال فكان أضعف حالاً.
والثاني: أن النذر يشبه التبرعات إذ النَّاذر بالخيار في نذره، فالوجوب بالنذر أضعف، وهذه الصورة والأولى قد حكاها أبو القاسم الكرخيُّ وغيره من تفريع ابْنِ سُرَيْجٍ على كلام لمحمَّد -رضي الله عنهما- وينبغي أنْ يفهم هاهنا أنَّ المال يتعين بتعيين النَّاذر إيَّاه للصدقة، ولو لم يتعين لما انتظم قوله في الصورة الأولى: لتعلّقه بعين المال ولما كان الفرق بين أن ينذر التصدّق بهذه الأربعين وبين أَنْ ينذر التَّصدُّق بأربعين، وهذا المفهوم هو ظاهر المذهب، وفيه شيء نذكره -إن شاء الله تعالى- في شرح قوله في:"كتاب الضحايا"، "ولو عين الدراهم للصدقة لم تتعين"، وبالجملة فمن أجاب بعدم التَّعيين لا يستقيم منه الفرق في هذه الصّورة، وقوله في هذه الصورة وفي الأولى، لو قال: لله عليَّ لو أبدله بأن يقول: لو نذر التَّصدق بكذا، لكان أَوْلَى؛ لأن الصِّيغة الَّتِي لا خلاف فيها في النَّذر أن يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي كذا.
أما إذا اقتصر علي قوله: لله على كذا ففيه قولان مذكوران في كتاب النَّذْر، فإن