إحداهما: إذا أحرز الغازون الغنيمة فينبغي للإمام أن يعجل قسمتها، ويكره له التأخير من غير عذر، فإذا قسم فكل مَنْ أصابه مال زَكَوِيّ وهو نصاب أو بلغ نصاباً مع الّذي كان يملكه ابتدأ الحول من حينئذ، وإن تأخرت القسمة بعذر أو بغير عذر حتى مضى حول، فهل تجب الزكاة؟ ينظر إن لم يختاروا التملك فلا زكاة؛ لأنها غير مملوكة للغانمين أوْ هي مملوكة لهم ملكاً في غاية الضّعف والوهن، ألا ترى أنه يسقط بمجرد الإعراض؟ وللإمام أن يقسمها بينهم قسمة تحكم فيخصّ بعضهم ببعض الأنواع وبعض الأعيان إن اتَّحد النوع ولا يجوز هذا الضَّرب من القسمة في سائر الأملاك المشتركة، إلاَّ بالتَّرَاضي وِإن اختاروا التَّملُّك ومضى حول من وقت الاخْتِيَار نظر إن كانت الغنيمة أصنافاً فلا زكاة سواء كانت ممَّا تجب الزَّكاة في جميعها أو كان بعضها مِمَّا لا يجب فيه زكاة؛ لأن كل واحد منهم لا يدري ماذا يصيبه؟ وكم يصيبه؟ وإن لم تكن إلا صنفاً وِاحداً زكوياً، وبلغ نصيب كل واحد من الغانمين نصاباً فعليهم الزكاة، وإن بلغ مجموع أَنْصِبَائِهِمْ نصاباً، وكانت الغنيمة ماشية فكذلك وهم خلطاء فيها، وكذا لو كانت غير ماشية وأثبتنا الخلطة فيه، ولو كان يتم أنصباؤهم بالخُمُس نصاباً فلا زكاة عليهم إذ الخلطة مع أهل الخمس لا تثبت؛ لأنه لا زكاة في الخمس بحال من حيث أنه لغير معينين كمال بيت المال من الفيء وغيره ومال المساجد والرّبَاطَات، فهذا حكم زكاة الغنيمة على ما ذكره جمهور أئمتنا -رحمهم الله- من العراقيين والمَراوِزَة وهو ظاهر المذهب، وزاد في "التهذيب" شيئين:
أحدهما: أن لا زكاة قبل إفْراز الخمس بحال، فإن أفرز فحينئذ نفصل الأمرين أن يختاروا التملك أو لا يختاروه، وهذا لم يتعرض له الأكثرون، ولم يفصلوا بين أن يفرز الخمس أو لا يفرز، وصرح في "العدة" أنه لا فرق بين الحالين.
والثاني: حكى في حالة عدم الاختيار وجهاً آخر؛ أنه تجب الزكاة وهذا يتعرض له ما في الكتاب، فإنه جعل وجوب الزكاة قبل القسمة على ثلاثة أوجه، وهكذا إمام