عن جميعها بل عما سوى القدر الواجب في السنة الأولى؛ لأن ذلك القدر قد استحقه المساكين أو هو دين يمنع وجوب الزَّكَاة في قدرة، ثم إذا مضت السَّنة الثَّالثة فقد استقرَّ ملكه على خمسة وعشرين أخرى، أما الأولى والثانية فقد أخرج زكاتهما لما مضى على التَّفْصيل المذكور، فإن أخرج من موضع آخر زكَّى جميعها للسَّنة الثَّالثة أيضاً، وإن أخرج منها زكّى الباقي.
وأما هذه الثالثة فقد مضى عليها ثلاث سنين، فإن قلنا: الزكاة ليست استحقاق جزء، والدَّيْن لا يمنع الزكاة أخرج زكاة جميعها لثلاث سنين، وإن قلنا: إنها استحقاق جزء وقلنا: الدَّيْن يمنع الزكاة، ولم يملك شيئاً آخر، فيخرج زكاة جميعها للسّنة الأولى، وزكاة جميعها سوى قدر الواجب في السَّنة الأولى للثانية، وزكاة جميعها سوى قدر الواجب في السَّنَتَيْن الأوليين للثّالثة، وقس الرابعة على هذا.
ثم هاهنا كلامان:
أحدهما: للمسألة شريطة ذكرها إمام الحرمين، وهي أن تكون أجرة السنتين متساوية ولا بد منها؛ لأنها لو تفاوتت لزاد القدر المستقر في بعض السِّنين على ربع المائة ونقص في بعضها؛ لأن الإجارة إذا انفسخت توزّع الأجرة المسماة على أجرة المثل في المدتين الماضية والمستقبلة.
والثّاني: لعلك تبحث فتقول: كلام المسألة فيما إذا كانت المائة في الذمة ثم نقداً أم فيما إذا كانت الإجارة بمائة معينة، أم لا فرق؟
أمّا كلام النّقلة فإنه يشمل الحالتين جميعاً، وأما التفصيل والنّص عليهما فلم أو له تعرضاً إلا في فتاوى القاضي الحُسَيْن قال في الحالة الأولى: الظاهر أنه يجب زكاة كل المائة إذا حال الحول؛ لأن ملكه مستقر على ما أخذ حتى لو انهدمت الدار، لا يلزمه رد المقبوض بل له رد مثله، وفي الحالة الثانية قال: حكم الزكاة حكمها في المَبِيْع قبل القبض؛ لأنه بفرض أن يعود إلى المستأجر بانفساخ الإجارة، وبالجملة فالصورة الثانية أحق بالخلاف من الأولى، وما ذكره القاضي اختيار للوجوب في الحالتين جميعاً فاعل ذلك. وعد بعده إلى لفظ الكتاب.
أَمَّا قوله:"نقداً" فهو إشارة كونها حالة مقبوضة والأجرة عندنا تملك بنفس العقد معجلة إن أطلقا أو شرطا التَّعْجيل ومؤجلة إذا شرطا التأجيل، فإذا كانت دَيْناً حالاً أو مؤجلاً زاد ما سبق من الكَلاَم في زكاة الدَّين.
وقوله: وجبت عليه في السَّنَة الأولى فيه المَبَاحث الَّتي تقدَّمت في أنَّ الكلام في نفس الوجوب وفي وجوب الإخراج، واللفظ إلى الاحتمال الأول أقرب.