للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرِّكاز وزكاة الفِطْر مُلْحَقَة بهذا النَّوع (١)، وأَمَّا الأموال الظَّاهرة وهي المواشي والمُعشرات والمَعَادن، فهل يجوز أن يفرق زكاتها بنفسه؟ فيه قولان:

أصحهما وهو الجديد: نعم، كزكاة الأموال الباطنة.

والثّاني: وهو القديم ومذهب أبي حنيفة -رحمه الله-، ويروى عن مالك أيضاً: أنه لا يجوز، بل يجب صرفها إلى الإمام لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (٢). ولأنه مال للإمام المطالبة به، فيجب دفعه إليه كالخراج هذا إذا كان الإمام عادلاً، فإن كان جائراً فوجهان:

أحدهما: يجوز، ولا يجب خوفاً من أن لا يوصله إلى المستحقين.

وأصحهما: أنه يجب لنفاذ حكمه وعدم انعزاله بالجور، وعلى هذا القول لو فرق بنفسه لم يحسب، وعليه أن يؤخر ما دام يرجو مجيء الساعي، فإذا أيس فرق بنفسه.

والثاني: أن يصرف إلى الإمام وهو جائز فإنه نائب المستحقين، "وكانَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، والخلفاءُ بعده يَبْعَثُونَ السُّعَاةَ لِأَخَذِ الزَّكَاةِ" (٣).

والثالث: أن يوكل بالصرف إلى الإمام أو بالتفرقة على المستحقين، حيث تجوز له التفرقة بنفسه، وهو جائز أيضاً، لأنه حق مالي فيجوز التوكيل في أدائه كديون الآدميين. وأما الأفضل من هذه الطّرق فلا خلاف في أن تفرقة الزكاة بنفسه أفضل من التوكيل بها؛ لأنه على يقين من فعل نفسه وفي شك من فعل الوكيل، وبتقدير أنْ يجوز لا يسقط الفرض عن الموكل وله على الوكيل غرم ما أتلف، وفي الأفضل من الطريقين الأولين (٤) في الأموال الباطنة وجهان:


(١) وفي زكاة الفطر وجه: أنها من الأموال الظاهرة، حكاه في "البيان" ونقله في "الحاوي"، من الأصحاب مطلقاً، واختار أنها باطنة، وهو ظاهر نص الشافعي -رضي الله عنه- وهو المذهب. ينظر الروضة (٢/ ٦١).
(٢) سورة التوبة، الآية ١٠٣.
(٣) البخاري (٩٢٥، ١٥١٠، ٢٥٩٧، ٦٦٣٦، ٦٩٧٩، ٧١٧٤، ٧١٩٧)، ومسلم (١٨٣٢) من حديث أبي حميدة، والبخاري (١٤٦٨)، ومسلم (٩٨٣) من حديث أبي هريرة وأبو داود (٩٤٧) من حديث أبي مسعود الأنصاري.
(٤) جزم النووى في "المنهاج" بطريقة الخلاف وزاد فجعله قولين، فإنه عبر بالأظهر وما نقله عن الغزالي في طرد الخلاف وقع أيضاً في "شرح المهذب" وهو غلط فإنه صرح بأنه لا يجري فيه، فقال في الوسيط: فإن كان المال باطناً جاز التسليم إلى الإمام أو إلى المسلمين، وإنهما أولى فيه وجهان، وإن كانت ظاهرة ففي وجوب تسليمها إلى الإمام قولان، ولا شك أن التسليم أولى للخروج من الخلاف. هذا لفظ "الوسيط"، وذكر في "البسيط" أيضاً نحوه، وعبر بقوله: ولا خلاف، وأما في "الوجيز" فإنه لم يفصل، بل أطلق الخلاف، ونقل الرافعي عند إطلاق الخلاف، ثم نقل عن المحاملي أنه عمم فقال: ورأيت المحاملى قد صرح في "القولين والوجهين" بطرد.

<<  <  ج: ص:  >  >>