قال الرافعي: الوظيفة الثَّانية النَّية، ولا بد منها في الجملة لقوله -صلى الله عليه وسلم-:"إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ". وهل المعتبر قَصْد القَلْب أم يكفي القول باللسان؟
قال الشافعي -رضي الله عنه- في "المختصر": وإذا ولى الركل زكاة ماله لم يجزه إلا بنية أنه فرض، والنية هي القصد فقضية هذا اعتبار قصد القلب، ونقل عن "الأم" أنه سواء نوى أو تكلم بلسانه إنه فرض يجزئه. قال الأصحاب: في المسألة وجهان:
وقال القفال وغيره: قولان:
أصحهما: وهو المذكور في الكتاب: أنه لا بد من قصد القلب، وهذا ما خرجه ابْنُ القاص، إليه ذهب صاحب "التقريب".
والثاني: أنه يكفي القول باللسان، وهو اختيار القَفَّال فيما حكى الصَّيدلاني، واحتج بأن إخراج الزكاة في حال الردة جائز، ومعلوم أن المرتد ليس من أهل نية وهي قربة، فدل أن لفظة كَافٍ، وأيضاً فإنَّ الزكاة تجري فيها النّيابة، وإن لم يكن النائب من أهلها، فإذا جاز أن ينوب فيها شخص عن شخص جاز أن ينوب اللّسان عن القلب، ولا يلزم الحج فإن النائب فيه، لا بد وأن يكون من أهل الحج، ومن قال بالأول حمل كلامه في "الأم" على أنه لا فرق، بين أن يقتصر على قصد القلب، وبين أن يجمع بين قصد القلب والتّلفظ. وأما فصل المرتد ففي أدائه الزكاة في حال الردة كلام تقدم، وعلى التسليم فلا نسلم إن القصد غير معتبر في حق المرتد.
نعم، لا يتصور معه قصد هو قُرْبة، لكن كما لا يتصور منه ذلك لا يتصور أيضاً لفظ هو قربة، وقد قيل للقفال: لا يسقط الفرض حتى يقول المرتد هذا عطاء، فقال: كذا ينبغي أن يكن، فإذا جاز اعتبار اللفظ وإن لم يكن قربة، لم لا يجوز اعتبار القصد وإن لم يكن قربة؟
وأما الوجه الثاني: فهو باطل بالوضوء، فإنه يجوز فيه إنَابَة الأَهْل وغير الأَهْل، ومع ذلك يُعْتَبَر فيه قصد القلب.
وروى الشيخ أبو علي طريقة أخرى عن بعضهم قاطعة باعتبار قصد قلب.
وكيفية النية أن ينوي هذا فرض زكاة مالي أو فرض صدقة مالي، أو زكاة مالي المفروضة أو الصدقة المفروضة، ولا يكفي التعرض لفرض المال، فإن ذلك قد يكون كفارة ونذراً، ولا يكفي التَّعرض للصّدقة في أصح الوجهين (١) فإنها قد تكون نافلة، ولو
(١) يقتضي أنه لو قيدها يالحال أنه يكفيه. وقال في "شرح المهذب": لو نوى الصدقة فقط لم يجزئه على المذهب النبي قطع به الجمهور. وحكى الرافعي فيه وجهاً ضعيفاً، ولو قال: صدقة =