للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني حكاه الإمَام -رضي الله عنه- عن شيخه تفريعاً على قول الرهن ثم إنه خالفه، واختار تقديم الزَّكَاة.

واعلم: أن الذين حكوا الوجهين تفريعاً على قول الذِّمة العراقيون القائلون بأن المال مرتهن بالزَّكَاة على قول الذِّمة فأما من محض تعلّقها بالذِّمة فينبغي أن ينقطع بامتناع الأخذ من المرهون كسائر الديون المرسلة، وإن قلنا بالشركة فتؤخذ الزكاة من عين المرهون وكذا إن قلنا: إن تعلق الزكاة كتعلق الأَرْشِ كما تَقَدَّم حقُّ المَجْنِي عليه على حقّ المرتهن، ويحصل عند الاختصار مما حكيناه وجهان كما ذكر في الكتاب.

أصحهما: الأخذ من عَيْنِ المرهون، وعلى هذا لو كانت الزكاة من غير جنس المال كالشَّاة في الإبل يباع جزء من المال في الزكاة، وهذا هو الطريق المشهور، وهو المحكي عن أبي إسحاق وعن ابْن أبي هريرة، وأبي حامد القاضي أنه إذا لم يكن له مَالٌ آخر تؤخذ الزَّكَاة من عين المرهون بلا خلاف إن كان الواجب من جنس المال، وإنما يكون الخلاف فيما إذا كان من غير جنسه، والفرق أنه إذا كان الواجب من غير جنس الأصل لم يكن متعلقاً بعينه، حكى ذلك عنهما القاضي ابن كجٍّ في أثناء طريقتين بينهما بعض الاختلاف، ثم إذا أخذت الزكاة من غير المرهون، وأيسر المالك الراهن بعد ذلك، فهل يغرم قدر الزكاة ليكون رهناً عند المرتهن. إن قلنا: الزكاة تتعلق بالذمة فنعم، وإن قلنا: تتعلق بالعين فوجهان:

أحدهما: نعم، لانصرافه إلى مصلحة براءة ذمته.

وأظهرهما: لا، لتعلقه بالمال بغير اختياره، وهذان الوجهان بناهما الشيخان أبو محمد والصيدلاني على أن الزكاة المخرجة من مال القرَاض على قولنا: العامل لا يملك الربح إلا بالقسمة معدودة من المؤن، أو هي كطائفة من المال يستردها المَالك، إن قلنا: بالأول لم يجب على الراهن الجبر، وإن قلنا بالثاني فيجب، وليس هذا البناء على التقدير الأول بواضح، فإن مؤنات المرهون على الرَّاهِنِ لا من نفس المَرْهُون بخلاف مؤنه مال القرض، فإنها من الربح، هذا كله فيما إذا لم يملك مالاً آخر، فأما إذا ملك مالاً آخر فالَّذِي قاله الجمهور، أن الزكاة تؤخذ من سائر أمواله، ولا تؤخذ من عين المرهون؛ لأنها من مؤنة المال فأشبهت النفقة، وعن أبي علي الطبري وآخرين: أنا إذا أوجبنا الزكاة في عين المال أخذناها من المرهون وإن ملك مالاً آخر، وهذا هو القياس كما لا يجب على السَّيِّد فداء العَبْد المرهون إذا جنى، وأبدى الإمام من عند نفسه تردداً في المسألة مبنيًا على وجوب الجَبْران في سورة الإِعْسَار إن قلنا: إن المعسر إذا أيسر لزمه الجَبْر وجب على الموسر ابتداء أداء الزكاة من مال آخر وإن قلنا: لا يلزمه الجبر لم يجب. وقوله في الكتاب: "أخرجت الزكاة من عين المرهون على الأصح" أراد به ما

<<  <  ج: ص:  >  >>