قال الرافعي: هَلْ يَجُوز تحلية المُصْحَف بالفِضَّة؟ فيه وجهان:
أحدهما: كالأواني.
وأظهرهما: نعم، وبه قال أبو حنيفة -رضي الله عنه- إكراماً لِلْمُصْحَفِ، وجعل أبو القاسم الكرخيّ هذا الخلاف قولين، وقال في "سير الوَاقدي" ما يدل على حَظْرِها، وفي القديم والجديد، وحرمله ما يدل على الجواز، وفي تحليته بالذَّهَبِ ثلاثة أوجه:
أحدها -وبه أجاب الشيخ أبو محمد في "مختصر المختصر"-: الجواز إكراماً، وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-.
والثاني: المنع إذ ورد في الخبر ذَمُّها.
والثالث: الفرق بين أن يكون للمرأة فيجوز، وبين أن يكون للرِّجَال فلا يجوز، طَرْداً للمنع من الذَّهَبِ في حق الرِّجَال، وكلام الصَّيْدَلاَنِيِّ والأكثرين إلى هذا أَمْيَلُ.
وذكر بعضهم: أنه يجوز تحلية نفس المصحف دون غلافة المنفصل عنه، والأَظْهَرُ التَّسْوِية، وأما سائر الكتب فقال في الكتاب: إن تحليتها لم تجز أصلاً، وذلك لأن الأئمة لم يحكوا فيها خلافاً؛ بل قاسوا وجه المنع في المُصْحَف على سَائِرِ الكتب إشعاراً بالاتفاق فيها، وذَكَرُوا وجهين في تحلية الدواة، والمرآة، والمقلمة، والمقراض بالفِضَّة. أصَحُّهُمَا: المنع كالأواني.
والثاني: الجواز كالسيف، والسكين، وبه أجاب في "مختصر المختصر"، وأراد صاحب الكتاب بقوله:(وقيل: يجوز تحلية الدواة بالدواة بالفِضَّة) حكاية وجه، وقاس عليه المقلمة وسائر الكتب، وفي تحلية الكعبة وسائر المَسَاجِد بالذَّهَبِ، والفِضَّة، وتعليق قناديلها فيها وجهان مرويان في "الحاوي" وغيره.
أحدهما: الجواز تعظيماً كما في الْمُصْحَف، وكما يجوز ستر الكعبة بالدّيبَاجِ.
وأظهرهما: المنع، ويحكى ذلك عن أبي إسحاق، إذ لم ينقل ذلك عن فعل السَّلَف، وحكم الزَّكَاة مبني على الوجهين: نعم، لو جعل المتخذ وقفا فلا زكاة فيه بحال. وقد تعرض في الكتاب للوجهين معاً حيث قال:(قيل: إنه ممنوع) ولا يبعد