وَجْهُ الوجوب أنه ملكهم إلا أنه غير مستقر، وذلك لا يمنع وجوب الفِطْرة فَإنَّهَا تجب مع انتفاء الملك أصلاً وَرَأساً فأولى أن تجب مع ضَعْفِ المِلْكِ.
ووجه المنع أن إيجاب الفِطْرَة مع نقصان الملك وكونه بَعرض الزَّوال إجْحَاف بهم، وبنى الأكثرون المسألة أولاً على أصل، وهو أن الدَّيْنَ هل يمنع انتفاء الملك في التركة إلى الورثة؟ فظاهر المذهب، وهو نصّه هاهنا أنه لا يمنع؛ لأنه ليس فيه أكْثَرُ مِنْ تعلق الدَّيْنِ بِهِ، وذلك لا يمنع المِلْك كَمَا في المَرْهُونِ والعَبْدِ الجَانِي، وقال الإصطخري يمنع، وربما جَعَلَ هَذَا قولاً ضَعِيفاً لِلشَّافعي -رضي الله عنه- ووجهه أن الله تعالى جَدُّه قَدَّمَ الدَّيْنَ عَلَى المِيرَاثِ حيث قال:"مَنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ"(١). فإن قلنا بالأول فعليهم فِطْرَتُه بِيعَ فِي الدَّيْنِ أو لم يُبَع، وفهمت من كلام الإمام أنه يجئ فيه الخلاف المذكور في المَرْهُون والمَغْصُوب، وإن قلنا بالثاني، فإن بيعَ في الدَّيْنِ فلا شَيْءٍ عليه، وإلا فَعَلَيْهِمْ الفِطْرَة وفي "الشامل" حكاية وجه مطلق أنه لا شيء عليهم، ويشبه أن يكون مأخذهما ما حكاه الإمام أن أكثر المفرعين على المَذْهَب المنسوب إلى الإصطخري يقولون بالتوقف، إِنْ صُرِف العَبْدُ إلى الدّين بَانَ أنهم لَمْ يَمْلِكُوهَا، وإن أبرأ أصْحَاب الديون أو قضاها الورثة من غير التركة بَانَ أنهم مَلَكوها، وأن بعضهم قال بثبوت الملك للورثة عند زوال الدّيون ابتداء من غير إسناد وتبين.
وعن القاضي أبي الطيب: أن فطرته تجب في تركة السَّيد على أحد القولين كالعبد الموصى بخدمته.
هذا إذا مات السيد قبل استهلال الهلال، وإن مات بعده ففطرة العبد واجبة عليه كفطرة نفسه، وتقدم على الوَصَايَا والمِيرَاث، وفي تقديمها على الدّيون طريقان:
أظهرهما: أنه على ثلاثة أقوال على ما قَدَّمْنَاها في زَكَاة المَالِ.
والثاني: القطع بتقديم الفطرة؛ لأنها متعلقة بالعبد واجبة بسببه فصار كأرش جنايته. وأما فطرة نفسه فهي على الأقوال، وحكى القَاضِي الرّويَانِي طريقة أخرى قاطعة بتقديم فطرة نفسه أيضاً لقلتها في الغَالِب، وسواء أثبتنا الخلاف أم لا، فالمنصوص عليه في "المختصر" تقديم الفِطْرَة على الدَّيْنِ، وذلك أنه قال ولو مات بعد ما أهل شوال، وله رقيق فزكاة الفطر عنه وعنهم في ماله مبداة على الديون ولك أن تحتج بهذا النص على خلاف ما قاله الإمام، وتابعه المصنف؛ لأن سياقه يفهم أن المراد ما إذا طرأت الفطرة على الدَّيْنِ الوَاجِب، وإذا كان كَذَلِكَ لم يكن الدَّيْنُ مَانِعاً مِنْهَا، وبتقدير ألا يكون هو المراد لكن اللفظ مطلق يَشْمَل ما إذا طَرأت الفِطْرَة عَلَى الدَّيْنِ، وبالعكس، فاقتضى ذلك ألا يكون الدَّيْن مَانِعاً.