للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الرافعي: ذكرنا اختلاف الأصحاب في أن النية ركن في الصَّلاة أم شرط، ولم يوردوا الخلاف هاهنا والأليق بمن اختار كونها هناك شرطاً أن يقول بمثله، ومنهم صاحب الكتاب، وحينئذ يتمحض نفس الصَّوم كفئاً. إذا عرفت ذلك، فقوله: (أن ينوي لكل يوم نية معينة مبيتة جازمة) ضابط أدرج فيه أموراً:

أحدها: قوله: (أن ينوي) فالنية واجبة في الصَّومُ إذ لا عمل إلا بالنية، ومحلُّها القلب، ولا يشترط النّطق في الصوم بِلاَ خِلاَف.

والثاني: قوله: (لكل يوم) فلا يكفي فيه صوم الشَّهْرِ كله في أوله خلافاً لمالك.

وبه قال أحمد في إحدى الروايتين. لنا: أن صوم كل يوم عبادة برأسها ألا ترى أنه يتخلل اليومين ما يُنَاقِضُ الصوم، وإذاكان كذلك وَجَبَ إفرادُ كُلِّ وَاحِدٍ بنيةٍ كالصَّلوات. وإذا نَوَى صوم جميع الشهر هل يصح صوم اليوم الأول بهذه النية؟ فيه تردُّدٌ لِلشَّيْخ أبي محمد، ورأيت أبا الفَضْلِ بنَ عَبْدَان أجاب بصحته، وهو الأظهر.

الثالث: التعيين وهو واجب في صَوْم الفرض، وبه قال مَالِك وأحمد في أصَحِّ الروايتين، خِلافاً لأبي حنيفة حيث قال: لا يشترط التعيين في النذر المعين، ولا في صَوْمِ رَمَضَانَ، بل لو نوى صَوم الغد مطلقاً في رمضان، أو نوى النفل أو النذر أو القضاء أو الكفارة وقع عن رمضان إن كان مقيماً، وإن كان مسافراً فكذلك إن أطلق النفل، وإن نوى النذر أو الفضاء أو الكفارة وقع عما نَوَى، وإن نوى النَّغل فروايتان.

لنا: القياس على الكفارة والقضاء، وتعينه شرعاً لا يغني عن تجديد المكلف قَصْده إلى ما كُلِّف به، وكمال التعيين في رمضانَ أن ينوي صَوْمَ الغَدِ عن أداء فَرْضِ رَمَضَانَ هذه السنة لله تعالى.

أما الصوم والتعرض لكونه من رمضان، فلا خلاف في اعتبارهما.

وأما الأداء والفرضية والإضافة إلى الله تعالى، ففيها الخلاف المذكور في الصَّلاة، وقد أعاد ذكر الخلاف في الفريضة هاهنا.

وأما رمضان هذه السنة فقد حكى الإمام وجهاً أنه لا بد من اعتباره وتابعه المصنف، ويقرب منه حكاية صاحب "التهذيب" وجهين في أنه هل يجب أن يقول: من فَرْضِ هَذَا الشَّهْرِ أَم يكفي أن يقول: من فرض رمضان؟ وقال: الأصح الأول، والإمام زيفه بأن معنى الأداء هو القصد، فإذا خطر الأداءُ بالبَالِ فقد خطر التعرض لِلْوَقْتِ المعين، وقد يزيف أيضاً بأن التعرض لليوم المعين لاَ بُد منه، وأنه يغني عن كونه من هذاس الشَّهر، وهذه السنة فإن هذا اليوم لا يكون إلا كذلك، بل إذا وقع التعرض لليوم المعين لم يَضُر الخَطَأُ في أوصافه. قال الرّويَانِي في "التجربة" لو نوى لَيْلَةَ الثلاثاء صَوْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>