أظهرهما: عند الأكثرين أنه صَائِمٌ من أول النَّهَار فَإنَّ صَوْمَ الْيَوْم الواحد لاَ يَنْبَغي، وشبه ذلك بما إذا أدرك الإمَامَ في الرَّكوع يكون مدركاً لثوَاب جَمِيع الرَّكْعةِ.
والثاني: وبه قال أبو إِسْحَاقَ أَنَّهُ صَائِمٌ من وقت النية؛ لأن النية لاَ تَنْعَطف على مَا مَضَى، ولا عَمَلَ إِلاَّ بِالنية، ويقال: إن هذا هو اختيار القَفَّالِ.
فإن قُلنا بالوجه الأوَّلِ فلا بُدَّ من الإِمْسَاك واجتماع شَرَائط الصَّوْمِ في أول النَّهَار.
وإن قلنا: بالثاني، فَفِي اشْتِرَاط خُلُوِّ الأَوَّلِ عن الأَكْلِ وَالجِمَاعِ وَجْهَان:
أحدهما: لا يشترط؛ لأن الصَّوْمَ إذا كان مَحْسوباً مِنْ وقت النِّية، كَانَ بِمَثَابَةِ جُزْءٍ من اللَّيْلِ وُينْسَبُ هَذَا إِلَى ابْنِ سُرَيجٍ، وأَبِي زَيْدٍ، وزاد في "العدة" محمد بن جرير الطبري. وأصَحُّهُمَا: وهو المذكور في الكتابَ: أنه يُشْتَرط وإلاَّ بَطَلَ مَقْصودُ الصَّوْم، ويجوز أن يتقدمَ شْرطُ الشَّيءِ عليه، ألا ترى أنه يُشْتَرط تقدّم الخُطْبَة على صَلاة الجُمُعَةِ، وهل يشترط خُلُو أَوَّلِهِ عَنِ الْكُفرِ وَالْحَيْضِ وَاَلْجُنُونِ أم يجوز أن يَصْومَ الكَافِرُ إِذَا أسلم اليوم الذي أَسْلَم فيه ضُحَى، والحَائِضُ في اليوم الذي طَهُرت، والجنونُ في اليوم الذي أفاق؟ فيه وجهان:
أصحهما: المنع أيضاً لكون النية مسبوقة في اليَوْمِ بما يُنَاقِضُ الصَّوْم، ويجوز أن يُرَتّب الخِلاَف في اشتراط الخُلُوّ عن هذه المعاني على الْخِلافَ في اشتراط الخُلُوِّ عن الأَكْلِ، فإن لم يشترط تَرْكُ الأكْلِ فهذَا أوْلَى، وإنْ شَرَطْنَاه فَوَجْهَانِ والفرق اخلالُ الأكْلِ بِمَقْصُودِ الصَّوْمِ، وهو كسر النَّفس بالتَّجْوِيعِ.
ويتعلق بهذا القيد مَسَائِلُ: منها: إذَا نَوَى لَيْلَة الثلاثين من شَعْبَان أن يَصُوم غداً مِنْ رَمضَان لم يخْلُ إما أن يَعْتَقِدَ كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَان أو لاَ يَعتقده، فإن لم يعتقده نظر إن ردَّد نيته فقال: أصومُ عَنْ رمضان إِنْ كانَ مِنْهُ وإلا فأنا مفطره أو أنا مُتَطَوِّعٌ لم يقع صَومُه عَنْ رَمَضان إذا بَان أنه مِنْه؛ لأنه لم يَصُمْهُ على أنه فَرْضٌ وإنما صَامَ عَلَى الشَّك.