للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يفطر بالعَيْنِ الوَاصِلِ مِنَ الظَّاهِرِ إِلَى البَاطِنِ فِي مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ عَنْ قَصْدٍ مَعَ ذِكْرِ الصَّوْم، وفيه قيود: منها: البَاطِنُ الوَاصِلُ إِلَيْهِ، وفيما يُعْتَبر فيه وجَهان: مَفْهُومانِ، مِنْ كَلَاَمِ الأَئِمَّة -رحمهم الله- تغريضاً وتصريحاً. أحدهما: أن المُعْتَبر ما يقع عليه اسْم الجَوْف.

والثاني: يُعْتَبر مَعَهُ أن يكون فيه قوة تحيل الوَاصِل إليه من غذاء، أو دَوَاءٍ، وهذا هو الذي أوردَهُ في الكتاب، ولكن الموافق لتفريع الأكْثَرِين هو الأول على ما سيأتي، ويدُلُّ عليه أنهم جَعَلوا الحَلْقَ كالجَوْفِ في بُطْلاَنِ الصَّوْمِ بوصول الوَاصِلِ، ذكره في "التهذيب" وحكاه الحَنَّاطِيُّ عن ابن القاص وأورده الإمَام أيضاً أنه إذا جاوز الشَيْءَ الحلقوم أفطر، ومن المعلوم أنه ليس في الحلق قوة الإحالة، وعلى الوجهين معاً باطن الدماغ والبَطْن والأَمْعَاء والمثانة مما يفطر الوَاصِلُ إِلَيْهِ، حتى لَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ "مَأمُومَةٌ" أو على بطنه "جَائِفَة" (١) فَوَضَعَ عَلَيْهَا دَوَاءً فوصل إلى جَوْفِهِ، أو إلى خَرِيطَةِ دِمَاغِهِ بَطَلَ صَوْمُه. قال الإمام وصاحب "التهذيب"؛ وإن لم يصل إلى باطن الأمعاء وإلى بَاطِنِ الخَرِيطَةِ، ولا فرق بين أن يكون الدَّوَاءُ رَطِباً، أو يَابِساً.

وعند أبي حنيفة -رحمه الله- لا يبطل باليَابِسِ، ولم يجعل المثانة مما يفطر الوَاصِل إِلَيْهِ، وفي: "المعتمد" حكاية وجه يوافق في المثانة.

لنا مطلق مَا رُوِي: "أنَّ الْفِطرَ مِمَّا دَخَلَ".

وقياس المثانة على سَائِرِ الأَجْوَافِ، وفيها قوة إِحَالَةِ الدَّوَاءِ.

ثم في الفَصْلِ صُوَرُ:

إحداها: الحقنة مُبْطِلَة لِلصَّوْمِ؛ لحصول الوُصْولِ إلى الجَوْفِ المُعْتَبَرِ.

وعن القاضي الحُسَيْنِ: أنها لا تُبْطِلُهُ وهو غريب، وفيها اختلاف رواية عن مالك.

الثانية: السَّعُوطُ مُبطِلٌ لِلصَّوْمِ أَيْضًا، إِذَا وَصَلَ إِلَى الدِّمَاغ.

وعند مالك: لا يبطل إلاَّ إِذَا نَزَلَ إِلَى الحَلْقِ مِنْهُ شَيْءٌ، واعلم أن ما جاوز الخَيْشُومَ في الاستعاط، فقد حَصَل فِي حَدِّ البَاطِنِ، ودَاخِلُ الفَم وَالأَنْفِ إِلَى مُنْتَهَى الخَيْشُوم، والْغَلْصَةِ (٢) له حُكْمُ الظَّاهِرِ مِنْ بَعْضِ الوُجُوهِ، حتى لوَ خرج إليه القَيْء أو ابتلَعَ مِنْهُ نُخَامَةً، بَطَلَ صَوْمُهُ، وَلَوْ أَمْسَكَ فِيهِ شَيْئاً لم يَبْطُل، ولو نجس وجب غسله، وله حكم البَاطِن مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لو ابتلع منه الرِّيق لا يَبْطُلُ صَومُه، ولا يجب غسله على


(١) سيأتي توضيح ذلك في باب الجنايات.
(٢) الغلصمة: رأس الحلقوم وهو الموضع الناتئ في الحلق والجمع غلاصم انظر المصباح (٢/ ٦١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>