للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأصحهما: الجواز؛ لما روي "أَنَّ النَّاسَ أَفْطَرُوا فِي زَمَانِ عُمَرَ -رضي الله عنه- ثُمَّ انْكَشَفَ السَّحَابُ، وَظَهَرَتِ الشَّمْسُ".

وأما في أول النَّهار، فيجوز الأَكْل بالظَّنَّ والاجتهاد؛ لأن الأصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، ولو هجم وأكل من غير يقين ولا اجتهاد نظر إن تبين الخَطَأ فالحكم ما ذكرنا في الفَصْلِ السَّابق، وإن تبين الصَّواب فقد استمر الصوم على الصِّحة وليس لأحَدٍ أن يقول إذا أكل شَاكّاً في الغروب، وتبين الغروب، وجب ألا يَصِح صَوْمُه كما لو صَلَّى شاكاً في الوقت، أو في القبلة من غير اجتهاد، وتبين له الصَّواب لا تصح صلاتهُ، لأن هناك ابتداء العبادة وقع في حال الشك فصنع الانعقاد، وهاهنا انعقدت العبادة على الصِّحة، وشك في أنه هل أتى بما يفسدها ثم تبين عدمه ذكر هذا الفرق صَاحِبا "التتمة" و"المعتمد"، وإن لم يتبين الخَطَأ، ولا الصواب، واستمر الإشْكَال، فينظر: إن اتفق ذَلِكَ في آخرِ النَّهَار وَجَبَ القَضَاء؛ لأن الأصْلَ بقاؤه، ولم يبن الأكل على أمر يعارضه، وإن اتفق في أوه فلا قَضَاءِ، لأن الأصْلَ بقاء اللَّيْلِ وجوازُ الأَكْلِ.

وروى بعض أصحابنا عن مالك وجوبَ القَضَاءِ في هَذِه الصُّورة، وتردد ابن الصَّبَّاغ في ثبوتها عنه، ولو أكل في آخر النهار بالاجتهاد وقلنا لا يجوز الأكل بالاجتهاد كما لو أكل من غير يقين ولا اجتهاد (١).

قال الغزالي: وَلَوْ طَلَعَ الصُّبْحُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَنَزَعَ انْعَقَدَ (ز) الصَّوْمُ وَلَوِ اسْتَمَرَّ فَسَدَ.

قال الرافعي: إذا طلع الصُّبْحُ وفي فِيهِ طَعَامٌ بأكله فليلفُظُه، فَإِن ابتَلعه فَسَدَ صَوْمُه، ولو لفظها في الحال لكن سبق مِنْه شَيْءٌ إِلَى جوفه بغير اختياره فقد نُقِل عن


(١) قال النووي: والأكل هجوماً بلا ظن حرام في آخر النهار قطعاً، وجائز في أوله. وقال الغزالي في "الوسيط": لا يجوز، ومثله في "التتمة"، وهو محمول على أنه ليس مباحاً مستوي الطرفين، بل الأولى تركه. وقد صرح الماوردي والدارمي وخلائق بأنه لا يحرم على الثالث الأكل وغيره، ولا خلاف في هذا، لقول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ...} [البقرة: ١٨٧]. وصح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- "كل ما شككت حتى يتبين لك".
عزاه المصنف في الشرح (٦/ ٣٢٥) للبيهقي وقال: إسناده صحيح. وفي رواية عن حبيب بن أبي ثابت قال: أرسل ابن عباس رجلين ينظران الفجر فقال: أحدهما: أصبحت وقال الآخر: لا. فقال: اختلفتما أرني شرابي. قال البيهقي: وروي هنا عن أبي بكر بن الصديق وعمر وابن عمر -رضي الله عنهم- وقول ابن عباس "أرني شرابي" جار على القاعدة أنه يحل الشرب والأكل حتى يتبين الفجر، ولو كان قد بين لما اختلف الرجلان فيه لأن خبريهما تعارضا. والأصل بقاء الليل. قلت: وأما في هذا الزمان فمكن الوقوف على معرفة الفجر بأسهل الطرق في استخدام المذياع أو الساعة مثلاً وغير ذلك مما هو معروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>