للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنها كراهية تَحْرِيم؛ لظاهر النَّهْيِ، ومبالغة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فِي مَنْعِ مَنْ وَاصَلَ.

والثاني: أَنَّهَا كَرَاهِيَةُ تَنْزِيه؛ لأن النَّهْيَ إِنَّمَا وَرَدَ مَخَافَة الضَّعْفِ، وهو أمر غَيْرُ متحقق وظاهر كلام الشافعي -رضي الله عنه- هو الأَوَّلُ، فإنه بعد ما روى خبر الوصال قال: "وفرق الله -تعالى- بين رسوله وبين خلقه، في أمور أباحها له، وحظرها عليهم"، فأشعر ذلك بِكَوْنِه مَحْظوراً، وأطلق في "التهذيب" أن المواصل يَعْصى، وذلك يُشْعِرُ بالحظر أيضاً.

ومنها: الجود والإفْضَال، فهو مندوب إليه في جميع الأوقات، وفي شهر رمضان آكد استحباباً اَقتداءً بِرَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه: "كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بالْخَيْرِ، وَكَانَ أجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ" (١). والمعنى في تخصيص رمضانَ بِزِيادة الجُود، وإكثار الصَّدقات تَفْرِيغ الصَّائمين، والقائمين للعبادة بدفع حَاجَاتِهِمْ.

ومنها: كثرة تِلاَوَةَ القُرآنِ والمُدَارَسَةِ بهِ، وهو أن يقرأ على غيره، ويقرأ عليه غيره: "كَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانِ فَيَتَدَارَسَانِ الْقُرْآنِ" (٢). ومنها: الاعْتِكَافَ، لا سِيَّمَا في العُشْر الأخير من رمضان لطلب ليلةِ القدر: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُوَاظِبُ عَلَيْهِ" (٣).

ومِنْها: أَنْ يصَوْمَ الصَّائِم لِسَانَهُ عَنِ الكَذِب، والغِيبَةِ، والمُشَاتَمَةِ، ونحوها، ويكف نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ بِكَفِّ الجَوَارِحِ، فَهُو سِرُّ الصَّوْمِ، والمقصود الأَعْظَمُ مِنْهُ، روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلِ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ، وَشَرَابَهُ" (٤).

وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِماً، فَلاَ يَرْفَثْ، وَلاَ يَجْهَلْ، فَإنْ امْرؤٌ قَاتَلَهُ، أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ" (٥) قال الأئمة: معناه فَلْيقل في نفسه ولينزَجر. ومنها: ترك السِّوَاكِ بَعْدَ الزَّوَالِ، لما ذكرنا في "سُنَنِ الوضوء" وأيضاً فقد روي عن خباب -رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ، وَلاَ تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ، فَإنَّهُ لَيْسَ مِنْ صَائِمٍ تَيْبَسُ شَفَتَاهُ بِالعشي إِلاَّ كَانَتَا نُوراً بَيْنَ عَيْنَيْهِ يَومَ


(١) أخرجه البخاري (٦، ١٩٠٢، ٣٢٢٠، ٣٥٥٤، ٤٩٩٧) ومسلم (٢٣٠٧) من رواية ابن عباس -رضي الله عنهما-.
(٢) انظر التخريج السابق وهو بعض الحديث السابق.
(٣) أخرجه البخاري (٢٠٢٥) ومسلم (١١٧١) من حديث ابن عمر، وأخرجه البخاري (٢٠٢٦) ومسلم (١١٧٢) من حديث عائشة.
(٤) أخرجه البخاري (٦٠٥٧).
(٥) أخرجه البخاري (١٨٩٤، ١٩٠٤، ٥٩٢٧، ٧٤٩٢، ٧٥٣٨) مسلم (١١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>