وجهان: أحدهما: ويحكى عن القفَّال: أنه يجوز، لأنه متبرع بالشروع فيه، فأشبه المسافر يشرع في الصوم، ثم يريد الخروج منه.
والثاني: لا يجوز، لأنه صار متلبساً بالفَرْضِ، ولا عذرَ بهِ، فيلزمه إتمامه كما لو شرع في الصَّلاة في أول الوقت، والأول هو الذي أورده المصنف، وصاحب "التهذيب"، وطَائِفَةٌ، وقضية كلام الأكثرين ترجيح الثاني، وبه أجاب الرّويَانِي في "الحلية"، وحكاه صاحب "المعتمد" عن نصه في "الأم" وصوم الكفارة اللاّزمة بسبب حرام كالقضاء الذي هو على الفور، وما لزم بسبب غير مُحَرَّم كالقتل الخطأ فهو كالقضاء الذي هو على التَّراخي، وكذا النذر المطلق، وهذا كله مبنى على انقسام القضاء إلى ما هو على الفور، إلى ما هو على التراخي، وهو الأشهر، فالأول ما تعدى فيه بالإفطار لا يجوز تأخير قضائه؛ لأن جواز التأخير ترفيه لا يليق بحاله.
قال في "التهذيب" وليس له الحالة هذه التأخير بعذر السَّفر.
والثاني: ما لم يتعد به، كما في حق الحائض، والإفطار بعذر السَّفر، والمرض، فقضاؤه على التَّرَاخِي ما لم يدخل رَمَضانُ السَّنَةِ القابلة، وفي كلام بَعْضِ أصحابنا العراقيين ما يرفع هذا الفَرْق المُحَامِلِي يقول في "التجريد"، ومن أفطر في رمضان بعذر أو بغير عذر فطراً لا تجب به كفارة فالقضاء يلزمه، ووقته موسع إلى شَهْرِ رمضانَ الثَّاني، ويمكن تأييد ما ذكروه بأنه قال في "المختصر": "ومن صام متفرقاً أجزأه، ومتتابعاً أحب إلي" والاستدلال أنه أطلق القول باستحباب التتابع في القَضَاء، ولو كان أحد نوعيه على الفَوْرِ لكان التّتابع فيه وَاجِباً لا محبوباً. وقوله في الكتاب:(وكذا القضاء إذا لم يكن على الفور). قد عرفت مما سبق أنه يجب إعلامه بالواو، ثم فيه شَيْءٌ من جهة اللفظ وهو أن هذا الكلام معطوف على قوله:(أما صوم التطوع فلا يلزم بالشروع)، فيكون أن القضاء إذا لم يكن على الفور لا يلزم بالشروع أيضاً، وإنما كان يحسن هَذَا أن لو كان ما هو على الفور يلزم بالشروع، وليس كذلك؛ بل هو لازم من ابتدائه إلى انتهائه.