إحداهما: إذا نَوى الاعْتِكَاف لم يخل إما أن يُطْلِق، أو يعين بنيته زماناً، فإن أطلق كفاهُ ذَلِكَ وإن طال عكوفه، لكن لو خرج من المسجد، ثم عاد لزمه استئناف النية، سَواء خرج لِقَضَاءِ الحَاجَةِ أو لِغَيْرِهِ، فإن مَا مضى عبادةٌ تامة.
والثاني: اعتكاف جديد.
وقال في "التتمة": فلو أنه عزم عند خروجه أن يقضي حاجته ويعود كانت هذه العزيمة قائمة مقام النية، ولك أن تقول: اقتران النية بأول العبادة شرط فكيف يحصل الاكتفاء بالعزيمة السَّابقة على العود؟ (١) وإن عين زماناً، كما إذا نوى اعتكاف يومٍ أو شهر فهل يحتاج إلى تَجْدِيد النِّية إذا خرج وعاد؟ نقل في الكتاب فيه ثلاثة أقوال، وسماها في "الوسيط" وجوهاً، وهو الموافق لإيراد الأئمة -رحمهم الله- وهي حاصل ما ذكروه في الطرق.
أحدها: أنه لا حاجة إلى تجديد النية؛ لأن النية شَمَلت جميع المدة بالتعيين.
والثاني: أنه إن لم تطل مُدَّة الخروج فلا حاجة إلى التَّجْدِيد، وإن طالت فلا بد منه؛ لتعذر البناء، ولا فرق على هذا بين أن يكون الخروجُ لِقَضَاءِ الحَاجَةِ أو لغيره.
والثالث: أنه إن أخرج لقضاء الحاجة لم يجب التَّجديد؛ لأنه لا بد مِنْهُ فهو كالمستثنى عن النية، وإن خرج لَغَرَضٍ آخر فلا بد من التَّجْدِيدِ لِقَطْعِهِ الاعتكاف، ولا فرق على هذا بين أن يطول الزمان، أو لا يطول. وهذا الثالث أظهر الوجوه، وزاد صاحب "التهذيب" في التفصيل فقال: إن خرج لأمر يقطع التتابع في الاعتكاف المتتابع فلا بد من تجديد النية، وإن خرج لِأَمْرٍ لا يقطعه نظر إن لم يكن مِنْهُ بُدٌّ كقضاء الحاجة والاغتسال عند الاحتلام فلا حاجة إلى التَّجْدِيد، وإن كان منه بُدٌّ أَوْ طال الزَّمان ففي التجديد وجهان، وهذه الاختلافات مضطردة فيما إذا نوى مدة لتطوع الاعتكاف، وفيما إذا نذر أياماً ولم يشترط فيها التتابع ثم دخل المعتكف على قصد الوَفَاء بالنذر أما إذا شرط التّتابع، أو كانت المُدَّة المَنْذُورَة متَوَاصِلة في نَفْسِها فسيأتي حكم التجديد فيها.
الثانية: لَوْ نَوَى الخُروجَ مِنَ الاعْتِكَافِ ففي بُطْلاَنِ الاعتكاف الخلاف المذكور في بطلان الصّوم بنية الخروج، والأظهر: أنه لا يبطل، وأفتى بعض المتأخرين ببطلان الاعتكاف؛ لأن مصلحته تعظيم الله تعالى كالصلاة وهي تختل بنقض النِّية، ومصلحة الصَّوْمِ قهر النَّفس وهي لا تفوت بنية الخروج.
(١) أجيب بأن نية الزيادة وجدت قبل الخروج فصار كمن نوى المدّتين بنية واحدة كما قالوه فيمن نوى ركعتين نفلاً مطلقاً ثم نوى قبل السلام زيادة فإنه يصح بلا خلاف ويصير كمن نوى الأربع في أول دخوله. ينظر الروضة (٢/ ٢٦٢).