الشَّهادة مرتبة على المرض، وهي أولى بالانقطاع لسبق التَّحَمُّل منه، وصورة الإخراج للحد مُرَتَّبَةٌ على الشَّهادة، وهي أولى بالانقطاع لِكَوْنِ السَّبَبِ الجَالِبِ للإخراج مَعْصِية -والله أعلم-. ويقرب من هذه المَسَائِل صورتان.
إحداهما: يجب الخُروُج لِصَلاَةِ الجُمُعَة وإذا خرج هل يبطل اعتكافه؟ في قولان: ويقال وجهان:
إحداهما: وبه قال أبو حنيفة: لا، لأنه لاَ بُدَّ من ذلك كَقَضَاءِ الحَاجَةِ.
وأصَحُّهُمَا: وبه قال مالك: نَعْم، لسهولة الاحتراز عن هذا الخروج بأن يعتكف في الجَامِع، وعلى هذا لو كان اعتكافه المنذور أقل من أسبوع ابتداء من أول الأسبوع أَيْنَ شاء من المَسَاجِدِ، أو في الجامع متى شاء، وإن كان أكثر من أسبوع، فيجب أن يبتدئ به في الجَامِع، حتى لا يحتاج إلى الخروج للجُمُعَةِ، فإن كان قد عين غير الجامع، وقلنا بالتعين فلا يخرج عن نَذْرِهِ إلا أن يمرض فتسقط عنه الجمعة، أو بأن يتركها عاصياً ويدوم على اعتكافه.
الثانية: إذا أحرم المعتكف نظر أن أمكنه إتمام الاعتكاف ثم الخروج لزمه ذلك، وإن خاف فوت الحَجِّ خرج إلى الحَجِّ وبطل اعتِكَافهُ، فإذا فرغ استأنف ووجهه بين.
قال الغزالي: ثُمَّ مَهْمَا لَمْ يَنقَطِعْ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الأَوْقَاتِ المَصْرُوفةِ إِلَى هَذِهِ الأَعْذَارِ، وفي لُزُومِ تَجْدِيد النِّيَّةِ عنْدَ العَوْدِ خِلاَفٌ.
قال الرافعي: كل ما يقطع التَّتابع يجوج إلى الاستئناف بنية مجددة، وكل عذر لم نجعله قَاطِعاً فكما فرغ منه يجب عليه أن يعود ويبنى، فلو أخر انقطع التتابع وَتَعذَّرَ البِنَاء، ولا بد من قَضَاءِ الأَوقَات المَصْرُوفة إلى ما عَدَا قضَاءِ الحَاجَةِ من الأَعْذَارِ فإنه غير معتكف فيها، وإنما لم يجب قضاء أوقات قضاء الحَاجَةِ لما قدمناه، وهل يجب تجديد النية عند العود. أما إذا خرج لقضاء حاجة، فقد مَرَّ وفي معناه ما لا بُدَّ منه كالخروج للاغتسال، وألحق به الأذان إذا جَوَّزنا الخُرُوجَ لَهُ أمَّاله مِنْهُ بُدُّ ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يجب، لأنه خرج عن العبادة بما عرض.
وأظهرهما: لا؛ لشمول النيّة جَمِيع المُدَّة.
وأجرى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيّ الخلاف فيما إذا خَرَج لغرض استثناه ثم عاد.
ولو عين مدة ولم يتعرض للتتابع ثم جَامَعَ أو خرج من غير عُذْرٍ فسد اعتكافه ثم عاد ليتم الباقي، فقد أجرى الخِلاف في وجوب التِّجْدِيد.