للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشروط هذه الأحكام مختلفة أما: الصحّة المطلقة فلها شَوْطٌ واحد وهو الإسلام. فلا يصح الحج للكافر، كالصوم والصَّلاة وغيرهما. ولا يشترط فيها التكليف؛ بل يجوز للولي أن يُحْرِمَ عن الصَّبِيّ الذي لا يُميِّز (١)، وعن المجنون وأعلم قوله: (إذ يجوز للولي) بالحاء؛ لأن أبا حنيفة -رحمه الله- لا يُجَوِّزُه. وكذا قوله: (إلا الإسلام) لأنه لا يَصِح الحَجَّ لصبي، وسيأتي جميع ذلك في الفَصْل الحادي عشر من باب أعمال الحج وأما: صِحَّة المباشرة فلها شَرْطٌ زائد على الإسلام وهو التَّمْييز، فلا يَصِحّ مباشرةُ المجنون والصَّبِيّ الذي لا يُمَيِّز، كَسَائِر العبادات. ويصح من الصبي المميز أن يحرم ويحج، ثم القول في أنه يستقل به أو يفتقر إلى إِذْن الولي موضعه الفصل المحال عليه. وقوله: (بإذن الولي) هذا التقييد دخيل في هذا الموضع فإن المقصود هاهنا صحة مباشرته في الجملة. ولا يشترط فيها الحرية، بل يَصِح من العبد مباشرة الحج كسائر العبادات. وأما وقوعه عن حجة الإسلام فله شَرْطان زائدان:

أحدهما: البلوغ.

والثاني: الجريمة، والدليل على اعتبارهما، ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ، ثُمَّ بَلَغَ، فَعَلَيْهِ حَجَّة الْإِسْلاَمِ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الإسْلاَمِ" (٢).

والمعنى فيه أن الحَجَّ عبادة عُمْرٍ لا تتكرر، فاعتبر وقوعها في حال الكمال.

وإذا جمعت شرائط هذا الحكم قلت: هي أربع: الإسلام. والتمييز. والبلوغ. والحرية. فإن اختصرت قلت هي ثلاث: الإسلام والتكليف والحرية. على ما ذكر في الكتاب. ولو تكلف الفقير الحَجَّ وقع حَجُّه عن الفرض كما لو تحمل الغني خطر


(١) هنا أمور لا بُدَّ من الوقوف عليها:
أحدها: أن الولي وهو الذي يلي المال لا فرق فيه بين الأب والجد، والوصي، وقيم الحاكم، وإليه ذهب الجمهور كما قاله في "شرح المهذب" واقتضاه كلام الرافعي، وقيل: لا يجوز للوصي ولا للقيم.
ثانيها: أنه لا يجوز لغيره كالجد مع وجود الأب وكالأم والأخ ونحوهما، وهو الصحيح وأجابوا عما توهمه الحديث السابق من جواز إحرام الأم باحتمال أنها كانت وصيته، أو أن الأجر الحاصل لهما إنما هو أجر الحمل والنفقة، إذ ليس في الحديث تصريح بأنها التي تحرم. وقيل: يجوز للجد في حياة الأب، وقيل له وللأم أيضاً. وقيل: يجوز لهؤلاء ولسائر العصبات.
ثالثها: أنه لا فرق في الولي بين أن يكون محرماً أو حلالاً، ولا يشترط أيضاً حضور الصبي ومواجهته بالإحرام من أصح الوجهين، وكيفية إحرامه أن ينوي جعله محرماً. كذا نقله في "شرح المهذب".
(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك (١/ ٤٨١) وقال: صحيح على شرط الشيخين، والبيهقي (٤/ ٣٢٥)، وقال ابن حزم: رواته ثقات. وقال البيهقي: تفرد برفع محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع. وقال ابن الملقن (١/ ٣٤٣) في "الخلاصة": لم ينفرد بل تابعه عليه ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>