للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه، وإن تمحض النادر فلا بد من الماء، هذا في الخارج النادر: أما المعتاد فإن لم يعد المخرج فعليه أحد الأمرين، إما إزالته بالماء كسائر النجاسات، وإما التخفيف بجامد على الشرط المذكور في الفصل الثالث، وذلك أن الأصل في النجاسات الإزالة بالماء بحيث لا يبقى عَيْنٌ ولا أَثَرٌ، فإن جرى على الأصل فذاك، وإلا أجزأه الاقتصار على الأحجار؛ تخفيفاً. روى عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيُذْهِبْ مَعَهُ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، يَسْتَطِبُّ بِهَا، فَإِنَّهَا تُجزِئُ (١) عَنْهُ".

وإن عدا المخرج نظر، إن لم ينتشر أكثر من القدر المعتاد، فكذلك يتخير بين الأمرين، وذلك القدر من الانتشار يتعذر، أو يتعسر الاحتراز عنه، ونقل المزنى -رحمه الله- أنه إذا عدا المخرج لا يجزي فيه إلا الماء، فمنهم من أثبته قولاً آخر، وزعم أن الضرورة تختص بالمحرج، فلا تسامح فيما عداه بالاقتصار على الأحجار، والأكثرون امتنعوا من إثباته قولاً، وانقسموا إلى مغلط ومؤول، وإن انتشر أكثر من القدر المعتاد، وهو أن يعدو المخرج وما حواليه، فينظر، إن لم يجاوز الغائط الألْيَتَينِ ففي جواز الاقتصار فيه على الأحجار قولان:

أظهرهما: الجواز رواه الربيع، واحتج الشافعي -رضي الله عنه- لهذا القول بأن قال: "لم يزل في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى اليوم رقَّة البطون". وكان أكثر أقواتهم التمر، وهو مما يرقق البطن، ومن رق بطنه انتشر خلاؤه عن الموضع، وما حَوَالَيْهِ، ومع ذلك أمروا بالاسْتِجْمَار.

والثاني: ذكره في القديم: أنه لا يجوز؛ لأنه انتشار لا يعم ولا يغلب، فإذا اتفق وجب غسله كسائر النجاسات، وفيه طريقتان أخريان:

إحداهما: القطع بالقول الأول، رواها الشيخ أبو محمد، والمسعودي.

والثانية: القطع بالقول الثاني، حكاها كثيرون من الأئمة. وأما البول فالحَشَفَةُ فيه بمثابة الإِلْيَتَيْنِ في الغائط، والأمر فيه على هذا الاختلاف، وعن أبي إسحاق المروزي أنه قال: إذا جاوز البول الثُقْب لم يَجُزْ فيه الحجر قولاً واحداً، والخلاف والتفصيل في الغائط. والفرق أن البول ينفصل على سبيل التزريق، فيبعد فيه الانْتِشَارُ، وإن جاوز الغائط الإليتين، والبول الحَشَفَة، تعيَّنت الإزالة بالماء كسائر النجاسات؛ لأنه نادر نحوه؛ ولا فَرْقَ بين القَدْرِ المجاوز وغيره، ومنهم من جعل ما لم يجاوز على الخلاف، ثم حيث يجوز الاقتصار على الحجر فذاك، بشرط أن لا تنتقل النجاسة عن الموضع


(١) أخرجه أحمد ٦/ ١٠٨، ١٣٣ والدارمي ٦٧٦، وأبو داود ٤٠، ٤١، والنسائي ١/ ٤١، ٤٢، والدارقطني ١/ ٥٤، وفيه وإسناده صحيح والبيهقي ١/ ١٠٣، وابن ماجة ٣١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>