للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم: أن الحَاجَّ يسن له الغُسْلُ في مواطن قد عدَّها في هذا الموضع، ومرة أخرى في كتاب صلاة الجُمُعَةِ مع زيادة طواف الوَدَاعِ، وكنا أخرنا شرح تلك الأغسال إلى هذا الموضع، فنقول:

أحدها: الغسل عن الإحرام، وقد عرفته.

والثاني: "الغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- " (١).

والثالث: الغسل للوقوف بِعَرَفةَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ.

والرابع: الغسل للوقوف بِمُزْدَلَفَةَ غداة يوم النحر.

والخامس، والسادس، والسابع: ثلاثة أغْسَال لرمي الجَمَرَاتِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ وسببها: أن هذه مواطن يجتمع لها النَّاس فاستحب فيها الاغتسال قطَعاً للروائح الكَرِيهة. واغتسال يوم التشريق في حق من لم ينفر في النَّفْرِ الأول، فإن نفر سقط عنه غُسْلُ اليَومِ الثَّالِثِ، وهذه الأغسال قد نص عليها الشافعي -رضي الله عنه- قديماً وجديداً، ويستوي في استحبابها الرَّجل والمرأة، وحكم الحائض ومن لم يجد الماء فيها على ما ذَكَرْنَا في الغُسْلِ للإحرام، وزَادَ في القديم غسلين آخرين:

أحدهما: لطو اف الإفاضة.

والثاني: لطواف الوداع؛ لأن النَّاسَ يجتمعون لهما، ولم يستحبهما في الجديد؛ لأن وقتها مُتَسَعٌ فلا تغلب الزَّحْمَة فيهما كغلبتها في سَائِرِ المَوَاطِنِ، وعن القاضي أبي الطَّيِّبِ -رحمه الله- حكاية غسل آخر عن القديم، وهو عند الحَلْقِ، فتصير أغسال الحج على هذا عَشْرة. قال الأئمة -رحمهم الله- ولم يستحب الشافعي -رضي الله عنه- الغسل لرمي جمرة العقبة يَوْم النَّحْرِ لأمرين:

أحدهما: اتساع وقته، فإن وقته من انتصاف ليلة النَّحْرِ إلى الزَّوَالِ، ووقت رمي الجمرات من الزَّوَالِ إلى الغُرُوبِ، والتقريب بعد هذا من وجهين:

أحدهما: أن اتساع الوقت مما يقلل الزحمة.

والثاني: أن ما بعد الزوال وقت شدة الحر وانصباب العرق، فتكون الحاجة إلى دفع ما يؤذي الغير أكثر.

والثاني: أن في غسل العيد يوم النحر والوقوف بعرفَة غنية عن الغُسْلِ رمي جمرة العقبة، لقرب وقتها منه (٢) -والله أعلم-.


(١) أخرجه البخاري (١٥٧٣) ومسلم (١٢٥٩).
(٢) قال النووي: قال الشافعي -رحمه الله- في "الأم": أكره ترك الغسل للإحرام. وهذا الذي ذكره =

<<  <  ج: ص:  >  >>