للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوقت فيدخلونها، "ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا إِلَى عَرَفَةَ، وَهكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-" (١).

وفي الفَصْلِ وما بعده ما هو مبني على التَّصْوِير الثاني، وهكذا هو في مصنفات عامة الأصحاب -رحمهم الله-، ونحن ننبه على ما يفترق فيه التَّصْوِيران في مواضع الحاجة -إن شاء الله تعالى-.

إذا عرفت ذلك فلدخول مكة سُنَن.

منها أن يغتسل بِذِي طُوَى وهو من سواد مكَّة قريب منها.

روى عن ابن عمر -رضي الله عنهما- "أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْدُمُ مَكَّةَ إلاَّ بَاتَ بذِي طُوىً، حَتَّى يُصْبحَ وَيغْتَسِلَ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ، وَيذْكُرُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ فَعَلَهُ" (٢).

واعلم أن القصد بقوله: (أن يغتسل بذي طوى) بيان استحباب موضع الغسل؛ فأما كون الغسل للدخول مستحبّاً، فقد ذكره مرة في الفَصْل الثاني من هذا الباب ومرة قبل ذلك في كتاب الجُمَعَةِ. ومنها: أن يدخل من ثنية كَدَاء -بفتح الكاف والمد- وهو من أعلى مكَّة وإذا خرج خرج من ثنية كُدَى -بضم الكاف- وهو على ما يشعر به كلام الأكثرين بالمد أيضاً، ويدل عليه أنهم كتبوه بالألف ومنهم من قال: إنه بالياء (٣) وروى فيه شعراً وهو من أسفل مكة. وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى" (٤).

قال الأصحاب وهذه السُّنَّة في حق مَنْ جَاءَ من طريق المدينة والشَّام، وأما الجاءون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا حول مَكَّة، ليدخلوا من ثنية كَدَاء، وكذلك القول في إيقاع الغسل بِذِي طُوَى، وقالوا: إنما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- من تلك الثنية اتفاقاً لا قصداً؛ لأنها على طريق المدينة، وهاهنا شيئان:

أحدهما: أن قضية هذا الكلام أن لا يتعلق بنسك واستحباب بالدخول من تلك الثنية في حق الجائين من طريق المدينة أيضاً، وهكذا أطلق الإمام نقله عن الصَّيْدَلاَنِيّ.


(١) قال الحافظ ابن حجر: لم أره هكذا لكنه الواقع، وصرح بذلك في عدة أحاديث صحيحة بغير هذا اللفظ ينظر: التلخيص (٢/ ٢٤١).
(٢) أخرجه البخاري (١٥٥٣، ١٥٥٤، ١٥٧٣، ١٥٧٤) ومسلم (١٢٥٩).
(٣) قال النووي: الصواب الذي أطبق عليه المحققون من أهل الضبط: أن الثنية السفلى، -بالقصر وتنوين الدال- ولا اعتداد بشياع خلافه عند غيرهم.
وأما كتابته بالألف فليست ملازمة للمد.
والثنية: الطريق الضيق بين جبلين، وهذه الثنية عند جبل قعيقعان.
(٤) أخرجه البخاري (١٥٧٥، ١٥٧٦) ومسلم (١٢٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>