للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: وكُلُّ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكاً لَمْ يَلْزَمْهُ (ح) الإحْرَامُ عَلَى أَظْهَرِ القَوْلَيْنِ وَلَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَتَحِيَّةِ المَسْجِدِ.

قال الرافعي: من قصد دخول مكة لا لنسك له حالتان:

إحداهما: أن لا يكون ممن يتكرر دخوله كالذي يدخلها لِزِيَارَةٍ أو تجارة أو رسَالَةٍ، وكالمكي إذا دَخَلاِ عَائِداً مِنْ سَفَرِه، فهل يلزمه أن يحرم بالحج أو العمرة؟ فيه طريقان:

أصحهما: وهو المذكور في الكتاب: أنه على قولين:

أحدهما: ويحكى عن مالك وأحمد: أنه يلزمه الإحْرَام بحجٍ أو عمرة؛ لإطباق النَّاسِ عَلَيْهِ، والسُّنن يندر يها الاتفاق العملي.

وعن ابْنِ عَبَّاسِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قال: لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إِلاَّ مُحْرِماً" (١).

والثَّاني: أنه لا يلزمه ذلك، ولكن يستحب كَتَحِيَّةِ المَسْجِدِ، وما الأظهر منهما؟ ذكر صاحب الكتاب: أن هذا القول الثَّاني أظهر، وبه قال الشَّيْخُ أبو مُحَمَّدٍ، إليه مَيْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ ومن تابعه، ورجح المسعودي وصاحب "التهذيب" في آخرين قولُ الوُجُوبِ، وبه أجاب صَاحِب "التلخيص" ولا فرق على القولين بين أن تكون دَارُه فوق المِيقَات أو دونه، وعند أبي حنيفة إن كان داره فوق الميقات لَزِمَه، وإلاَّ فَلاَ.

والطَّرِيق الثَّاني: القطع بالاستحباب، ويحكى هذا عن صاحب التقريب.

والحالة الثانية: أن يكون ممن يتكرر دخوله كالحُطَّابينَ والصَّيَّادِينَ ونحوهم، فإن قطعنا بِنَفْي الوُجوبِ في الحالة الأولى فهاهنا أولى، وإنَ سَلَكْنَا طريقة القولين فهاهنا طريقان:

أحدهما: طرد القولين.

وأصَحُّهُمَا: القطع بِنَفْي الوُجُوبِ، وبه أجاب في "التلخيص".

والفرق أن هؤلاء إن امتنعوا من الدخول انقطعوا عن مَعَايِشِهِمْ، ويتضرر به الناس، وأن دخلوا وأحرموا كل مرة شَقَّ عليهم، وفيه وجه ضعيف: أنه يلزمهم الإحْرَام في كُلِّ سَنَةٍ مَرَّة. التفريع إن قلنا بالوجوب فلذلك شروط:

أحدها: أن يجيء الدَّاخِلُ من خَارجِ الحَرَمِ، فأما أهل الحرم فَلاَ إحرَام عليهم بِلاَ خِلاف.


(١) أخرجه البيهقي (٥/ ٧٣) وابن عدي عنه مرفوعاً بإسناد ضعيف، ينظر: خلاصة البدر (٢/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>