للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا صار بين الركنين اليمانيين أن يقول: ما سبق، وذكر غيره أنه يقول عند الفراغ من ركعتي الطواف خلف المقام: "اللَّهُمَّ هذَا بَلَدُكَ، وَمَسْجِدُكَ الْحَرَامُ، وَبَيْتُكَ الْحَرَامُ، أَنَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ أَتَيْتُكَ بِذُنُوب كَثِيرَةٍ وَخَطَايَا جَمَّةٍ وَأَعْمَالٍ سَيِّئةٍ، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذُ بِكَ مِنَ النَّارِ فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، اللَّهُمَّ إنَّكَ دَعَوْتَ عِبَادَكَ إِلى بَيْتِكَ الْحَرَامِ، وَقَدْ جِئْتُ إِلَيْكَ طَالِبًا رَحْمَتَكَ، مُبْتَغِيًا مَرْضَاتِكَ، وَأَنْتَ مَنَنْتَ عَلَيَّ بِذَلِكَ فَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ.

وعند محاذاة المِيزَاب: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرَّاحَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَفْوَ عِنْدَ الْحِسَاب". ويدعو في طوافه بما شاء، ولا بأس بقراءة القُرْآن في الطَّوَافِ، بل هي أفضل من الدّعاء الذي لم يؤثر (١)، والدعاء المَسْنُون أَفْضَلُ مِنْهَا، تَأسِّياً برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونقل في "العدة" وجهاً آخر: أنها أفْضَلُ مِنْهُ أيضاً.

قال الغزالي: الرَّابِعَةُ الرَّمَلُ فِي الأَشْوَاطِ الثَّلاَثةِ الأُوَلِ وَالهِيْنَةُ فِي الأَخِيرَةِ، وَذَلِكَ فِي طَوَافِ القُدُومِ فَقَطْ عَلَى قَوْلٍ، وَفِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَقَطْ عَلَى قَوْلٍ، وإنْ تَرَكَ الرَّمَلَ أَوَّلاَ لَمْ يَقْضِهِ آخِراً إِذْ تَفُوتُ بِهِ السَّكِينَةُ، وَلَوْ تَعَذَّرَ الرَّمَلُ مَعَ القُرْبِ لِلزَّحْمَةِ فَالبُعْدِ أَوْلَى، وَلَوْ تَعَذَّرَ لِزَحْمَةِ النِّسَاءِ فَالسِّكِينَةُ أَوْلَى، وَلْيَقُلْ فِي الرَّمَلِ: اللَّهُمَّ اجْعَلهُ حَجّاً مَبْرُوراً وَذَنْباً مَغْفُوراً وَسَعْياً مَشْكُوراً.

قال الرافعي: والأصْلُ في الرَّمْلِ والاضطباع،، ما روي عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: "لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَكَّةَ لِعُمْرَةِ الزِّيَارَةِ قَالَتْ قُرَيْشُ: إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ قَدْ أَوْهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بالرَّمَلِ وَالاضْطِبَاع لِيُرَى الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُم فَفَعَلُوا" (٢).

ثم إن ذلك بقي سنة متبعة وإن زال السَّبَب، روى عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "فِيمَا الرَّمَلُ وَقَدْ نَفَى الله الشِّرْكُ وَأَهْلَهُ وَأَعَزَّ الإسْلاَمَ إِلاَّ إني لاَ أُحِبُّ أَنْ أَدَعَ شَيْئاً كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-".

والرَّمْلُ هو: الإسراع في المشي مع تقارب الخُطَى، دون الوُثوب والعَدْوِ، ويقال: إنه الخَبَبَ، وغلط الأئمة من ظن كونه دون الخبب.


(١) لأن الموضع موضع ذكر، والقرآن أفضل الذكر، ولقوله -عليه الصلاة والسلام-: يقول الرب سبحانه وتعالى: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين" وفضل كلام الله -تعالى- على سائر الكلام كفضل الله -تعالى- على خلقه، رواه الترمذي عند أبي سعيد الخدري وقال: حديث حسن.
(٢) أخرجه البخاري (١٦٠٢، ٤٢٥٦) ومسلم (١٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>