للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن الحجيج إن سَارُوا من المِيقَات إلى المَوْقِفِ قبل أن يدخلوا مَكَّة كما يفعلونه اليوم فاتتهم خُطْبةُ اليومِ السَّابعِ، والترتيب الذي ذكره في الفَصْل مصوّر في حَقِّ من يدخل مَكَّة قبل الوقوف.

إذا عرفت ذلك فنقول: مَن كَانَ مِنَ الدَّاخِلِينَ قبل الوقوف مُفْرِداً بالحج، أو قارناً بين النسكين، أقام بعد طَوَافِ القدوم إلى أن يخرج إلى عَرَفَةَ، ومن كان متمتعاً طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ وَتَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ، ثم يحرم بالحَجِّ من مكَّة، ويخرج على مَا مَرَّ في صورة التمتع، وكذلك يفعل المقيمون بمكة، ويستحبُّ للإمام أو لمنصوبه أن يَخْطُبَ بِمَكَّةَ في اليوم السابع من ذِي الحَجَّة بعد صَلاَةِ الظُّهْر خطبةً وَاحِدَةً، يأمر الإمام النَّاس فيها بالغُدُوِّ إلى مِنىً، ويخبرهم بما بين أيديهم من المَنَاسِكِ (١).

وعن أحمد أنه لا يخطب اليوم السَّابع.

لنا ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "خَطَبَ النَّاسَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْويَّةِ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، وَأَخْبَرَهُمْ بِمَنَاسِكَهُمْ" (٢).

وينبغي أن يأمر في خطبته المتمتعين بأن يطوفوا قبل الخُروج لِلْوَدَاعِ، فلو وافق اليَوْمُ السَّابعُ يومَ الجُمُعَةِ خطب للجمعة وَصَلاَّهَا، ثم خَطَبَ هذه الخُطْبَة، فإن السُّنة فيها التأخير عن الصَّلاة، ثم يخرج بهم اليوم الثامن وهو يوم التَّرْوَية إلى مِنىً، ومتى يخرج؟ المشهور أنه يخرج بهم بَعْدَ صلاةِ الصُّبْحِ بحيث يوافون الظهر بمِنَى.

وحكى القَاضِي ابْنُ كِجٍّ أن أَبَا إِسْحَاقَ ذكر قولاً أنهم يصلون الظُّهرَ بِمَكَّةَ، ثم


(١) وقوله "بالغدو" يؤخذ منه استحباب خروجهم قبل الزوال، فإن العرب تقول: غداً لما قبل الزوال وراح لما بعده، وما اقتضاه كلامه هو المشهور كما نقله الرافعي هنا. وفيه قول جزم به الرافعي أيضاً في أواخر باب وجوه والإحرام أنهم يصلون الظهر بمكة ثم يخرجون وتابعه في الروضة على هذا الاختلاف. فائدتان:
أحدهما: يجوز في "منى"، التصريف وعدمه والتذكير والتأنيث، سميت بذلك لكثرة ما يتمنى فيها من الدعاء أي يراق ومن مكة إليها فرسخ. وقال المصنف: من مكة إلى منى فرسخان. قال النووي والجمهور على الأول.
الثانية: أيام المناسك سبعة أولها سابع ذي الحجة وآخرها الثالث عشر، فالسابع لا يعرف له اسم. هكذا قاله المصنف في "شرح المهذب". قلت: وذكر علي بن أبي طالب في بيان عمل الحج أن اسمه يوم الزينة أي لأنهم كانوا يزينون فيه محاملهم وهوادجهم للخروج، وأما الثامن فاسمه يوم التروية بالتاء المثناة وسمي بذلك، لأنهم كانوا يتروون فيه يحمل الماء معهم من مكة إلى عرفات والتاسع يوم عرفة، والعاشر يوم النحر، والحادي عشر يوم القر بفتح القاف وتشديد الراء لأنهم قارون فيه بمنى. والثاني عشر: يوم النفر الأول. والثالث عشر: يوم النفر الثالث.
(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك (١/ ٤٦١) وصححه البيهقي (٥/ ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>