ولو انفرد بعضهم بالجَمْعِ بعرفة أو بمزدلفة أو صَلى إحدى الصَّلاتين مع الإمام والأخرى وَحْدَهُ جَازَ، ويجوز أن يُصَلِّيَ المغربَ بعرفة أو في الطريق.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز، ويجب الجَمْعُ بمزدلفة، وذكر الشَّافِعِي -رضي الله عنه- أنهم لا يتنفلون بين الصَّلاتين إذا جَمَعُوا ولا على إثْرِهما، أما بينهما فَلِرِعَايَةِ الموالاة، وأما على إثْرِهِمَا فقد قال القاضي ابْنُ كِجٍّ في الشرح: لا يتنفل الإمام؛ لأنه متبوع فلو اشتغل بالنوافل لاقتدى به الناس وانقطعوا عن المَنَاسك، فليشتغل بِجَمْعِ الحَصَا وغيره من المَنَاسِك. وأما المأموم ففيه وجهان:
أحدهما: لا يتنفل أيضاً كالإمام.
والثاني: أن الأمر وَاسِعٌ له؛ لأنه ليس بمتبوع، وهذا في النوافل المطلقة دون الرَّوَاتِبِ، والله أعلم.
ثم أكثر الأصحاب أطلقوا القول بأنه يؤخرهما إلى أن يأتي المُزْدَلِفَة، ومنهم من قال ذلك ما لم يَخْشَ فَوَاتَ وَقْتِ اخْتِيَار العِشَاء فإن خَافَ لمكثهم في الطريق بِصَدّ أو غيره لَمْ يُؤَخِّرْ، وجمع بالنَّاسِ في الطَّرِيقِ، والمستحب أَنْ يَنْصَرِفُوا مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمزْدَلِفَةِ فِي طَرِيقِ الْمَأزَمَيْنِ، وهو الطريق بين الجبلين، اقتداءَ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- (١) والصَّحابة -رضي الله عنهم-.
واعلم أن من مكَّة إلى مِنىً فَرْسَخَانِ، ومن مِنىً إلى عَرَفَاتٍ فَرسَخَانِ، ومزدلفة مُتَوَسِّطَةُ بين مِنىً وَعَرَفَاتٍ، منها إلى كل واحدة منهما فرسخاً، ولا يقفون بها في مسيرهم مِنْ منىً إلى عَرَفَات.
وقوله في الكتاب:(ثم يقبلون على الدعاء إلى وقت الغروب)، ليس لإخراج وَقْتِ الغروب عن الحَدِّ، بل يَدْعُونَ عِنْدَه أيضاً.
(١) أخرجه البخاري (١٣٩، ١٨١، ١٦٦٧، ١٦٦٩، ١٦٧٢) ومسلم (١٢٨٠)، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (٢/ ٢٥٤): وأما الموقوف عن الصحابة فلم أره منصوصاً عن معين، إلا أنه ثبت في الصحيح أنهم كانوا معه -صلى الله عليه وسلم-.