للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أبي حنيفة: أن غير المعذور يلزمه الدَّم إن لم يعد ولم يقف بعد طُلُوعِ الفَجْرِ، وإن دفع قبل انتصاف الليل وعاد قبل طلوع الفجر فلا شيء عليه أيضاً، كما لوَ دفع من عرفة قبل الغروب وعاد، وإن لم يعد أو ترك المبيت أصلاً أراق دماً، (١) وهل هو واجب أو مستحب؟ فيه طرق:

أظهرها: أنه على قولين كما ذكرنا في الإفاضة من عَرَفَة قبل غروب الشمس.

وعن أحمد: روايتان كالقولين، وعن مالك هو وَاجِبٌ.

وقال أبو حنيفة -رحمه الله- لا اعتبار بالمبيت، وإنما الاعتبار بالوقوف بالمزدلفَةَ بَعْدَ طلوعِ الفَجْرِ، فإذا تركه لَزِمَهُ دَمٌ.

والطريق الثاني: القَطْعَ بالاسْتِحْبَابِ.

والثالث: القَطْعُ بالإِيجَاب، وحمل نصه على الاستحباب على ما إذا وقع بعد انتصاف الليل. يحكى هذا عن القاضي أبي حامد (٢). والأولى تقديم النِّساء والضَّعَفَةِ بعد انتصاف الليل إلى منى، روى عن ابْنِ عباس -رضي الله عنهما- قال: "كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ ضَعَفَةِ أَهْلِهِ إِلَى مِنى مِنَ المُزْدَلِفَةِ" (٣).

وغير الضعفة يلبثون حتى يُصَلُّوا الصُّبْحَ بِهَا، ويغلسون بالصَّلاة، والتغليس هاهنا أشد استحباياً، وينبغي أن يأخذوا مِن المُزْدَلِفَة الحَصَى لِلرَّمْي؛ لأن بها جبلاً في أحجاره رخاوة، وليكونوا متأهبين للرمي، فإن السُّنَّة أن لا يَشْتَغِلُوا عَنه بشيء إذا انتهوا إلى مِنًى، ولو أخذوا من مَوْضِعٍ آخر جَازَ، لكن يكره أخذُهُ مِنَ المَسْجِدِ، لأنه فرشه، ومن الحش لنجاسته، وعن المرمى لما قيل:"إِنَّ مَن يُقْبَلُ حَجُّهُ يُرْفَعُ حَجَرُهُ وَمَا يَبْقَى فَهُوَ مَردُودٌ". وكم يأخذون منها؟ قال في "المفتاح": سبعين حَصَاة، ليرمي يوم النَّحْرِ وأيامَ التَّشْرِيقِ على ما سَنُفَصِّلْهُ، وهذا ظَاهِرُ لَفْظِ "المختصر"، وقال الأكثرون: سَبْع حَصَيَاتٍ، ليرمى يوم النَّحْرِ، وحكوه عن نصه في موضع آخر، وجعلوه بيانًا لما أطلقه في "المختصر"، وعلى هذا فيأخذ لرمي أيام التَّشْرِيقِ مِنْ وَادِي مُحَسِّر أو غيره، وجمع بعضهم بينهما فقالوا: يستحب الأخذ من المُزْدَلَفَةِ لجميع الرَّمْيِ، لكنه لرمي أيام النحر أَحَب، ثم الجمهور قالوا: يتزود بالحَصَا ليلاً قبل أن يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، وفي "التهذيب" أخر أخذها عن الصَّلاَةِ، ثم يدفعون إلى مِنًى، فإذا انتهوا إلى المَشْعَرِ الحَرَامِ وقفوا على قزح، وهو


(١) قال النووي: لو لم يحضر "مزدلفة" في النصف الأول، وحضرها ساعة في النصف الثاني حصل المبيت نص عليه في "الأم" وفي قول ضعيف نص عليه في "الإملاء" والقديم يحصل ساعة بساعة بين نصف الليل وطلوع الشمس.
(٢) وفي قول: يشترط معظم الليل، والأظهر: وجوب الدم بترك المبيت. ينظر الروضة (٢/ ٣٧٩).
(٣) أخرجه الشافعي (١٠٧٧) والبخاري (١٦٧٧، ١٦٧٨، ١٨٥٦) ومسلم (١٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>