للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: وَأَمَّا القَصْدُ فَالاحْتِرَازُ بِهِ عَنِ النَّاسِي إِذْ لاَ فِديَةَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِذَا جَهِلَ كَوْنَ الطِّيبِ مُحَرَّماً، وَلَو علِمَ أنَّهُ طِيبٌ وَلَمْ يَعْلَمْ أنَّهُ يَعْبَقُ بِهِ لَزِمَتِ الفِدْيَةُ، وَلَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ الرِّيحُ طِيبًا فَلْيُبَادِر إِلَى غَسْلِهِ فَإِنْ تَوَانِىَ لَزِمَتْهُ الفِدْيَةُ.

قال الرافعي: الأمر الثالث كون الاستعمال عن قَصْدٍ، فلو تطيب ناسياً لإحرامه أو جاهلاً بتحريم الطّيب لم تلزمه الفدية، وعذر، كما لو تكلم ناسياً في الصَّلاة، أو أكل ناسياً في الصَّوْمِ، وقد روى: "أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه جُبَّةٌ وهو متضمخ بالخلوق، فقال: إني أحرمت بالعمرة وهذه عليَّ فقال -صلى الله عليه وسلم- ما كنت تصنع في حَجَّتِك، قال: كنت أنزع هذه، وأَغْسِل هذا الخلوق، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا كُنْتُ صَانِعاً فِي حَجّكَ فَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ" (١).

ولم يوجب عليه الفدية لِجَهْلِهِ، وعند مالك وأبي حنيفة والمزني -رحمهم الله- تَجِب الفديةُ عَلَى النَّاسِي والجَاهِلِ.

وعن أحمد -رحمه الله- روايتان.

وإن علم تحريم الاستعمال وجهل وجوب الفدية لزمته الفدية، فإنه إذا عَلِم بالتحريم فحقه الامتناع.

ولو علم تَحْرِيمَ الطِّيب، وجهل كَوْنَ المَمْسُوسِ طِيباً، فجواب الأكثرين أنه لا فدية؛ لأنه إذا جهل كون ذلكَ الشَّيْءِ طيباً فقد جَهِلَ تحريم استعماله، وحكى الإمام مع ذلك وجهاً آخر أنها تجب. ولو مسَّ طيباً رطباً وهو يظن أنه يابس لا يعلق به شيء منه، ففي وجوب الفدية قولان:

أحدهما: تجب؛ لأنه قصد التطيب مع العلم بِكَوْنِهِ طيباً.

والثاني: لا تجب لِجَهْلِهِ بكونه طِيباً، كم لو جَهِلَ كونه طيباً، وبالقول الأول أجاب صَاحِبُ الكتاب، ورَجَّحَهُ الإمَامُ -رحمه الله- وغيره، ولكن طَائِفَة من الأَصْحَابِ رَجَّحُوا الثَّانِي. وذكر صاحب "التهذَيب" أنه القول الجَدِيد، -والله أعلم-.

ومتى لصق الطِّيب ببدنه أو ثَوْبِهِ على وجه لا يوجب الفدية بأن كان نَاسِياً، أو ألقته الرِّيحُ عَلَيْهِ، فعليه أن يُبَادِرَ إلىَ غُسْلِهِ وتنحيته، أو معالجته بما يقطع رائحته، والأوْلَى أن يأمر غيره به، وإن باشره بنفسه لَمْ يَضُرْ (٢)؛ لأن قصده الإزالة، فإنْ توانى


(١) أخرجه البخاري (١٥٣٦، ١٧٨٩، ١٨٤٧، ٤٣٢٩، ٤٩٨٥) ومسلم (١١٨٠).
(٢) محل كون الأولى أن يأمر غيره أن يكون الغير حلالاً متبرعاً كما نبه عليه الزركشي. وقال في الخادم: أيضاً قالوا: إذا كان محدثاً ومعه من الماء ما لا يكفي الوضوء والطيب غسل به الطيب؛ =

<<  <  ج: ص:  >  >>