أصحهما: أن الفدية على الحَالِقِ، وبه قال مَالِكٌ وأحْمَدُ -رحمهما الله- لأنه المُقَصِّر، ولا تقصير من المَحْلُوقِ، وهذا ما أورده في الكِتَابِ.
والثاني: وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-: أنها على المحلوق واختاره المُزَنِيُّ - رحمه الله-: لأنه المرتفق به، وقد ذكر المُزَنِيُّ أن الشَّافِعِيَّ -رضي الله عنه- قد خط على هذا القول، لكن الأصحاب نقلوه عن البويطي، ووجدوه غير مخطوط عليه، وبنوا القولين على أن استحفاظ الشَّعْرِ في يد المحرم جَارٍ مجرى الوَدِيعَةِ، لأ مَجْرَى العَارَيةِ وفيه جوابان. إن قلنا بالأول فالفدية على الحَالِقِ، كما أن ضمان الوَدِيعَةِ عَلَى المُتْلِفِ دُونَ المودع. وإن قلنا بالثاني، وجبت على المَحْلُوقِ وجوب الضَّمَانِ عَلَى المُسْتَعِير قالوا: والأول أظْهَر؛ لأن العَارِيةَ هي التي يمسكها لمنفعة نفسه، وقد يريد المحرم الإزالة دون الإِمْسَاكِ، وأيضاً فإنه لو احترق شَعْرُه بتطاير الشَّرَرِ، ولم يقدر على التطفية لا فدية عليه، ولو كان كالمستعير لوجبت عليه الفِدْيَة.
التفريع: إن قلنا: الفدية على الحَالِقِ، نظر إن فدى فَذَاك، وإن امتنع مع القدرة فهل للمحلوق مطالبته بِإِخْرَاجِهَا؟ فيه وجهان، وجواب الأكثرين أن له ذلك بناء على أن المُحْرِمَ كالمُودِعِ، والمودع خَصْم فِيمَا يُؤْخَذ منه، ويتلف في يديه.
ولو أخرج المحلوق الفدية بإذن الحالق جاز، أو بِغَيْرِ إِذْنِهِ لاَ يَجُوزُ في أَصَحِّ الوجهين، وبه قال ابْنُ القَطَّانِ وَأَبُو عَلِيّ الطَّبَرِي: كما لو أخرجها أَجْنَبِيّ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وإن قلنا: إن الفِدْيَةَ على المَحْلوقِ، فينظر إن فدى بالهَدْي أو الإطْعَام رَجَعَ بأقَلّ الأَمْرَيْنِ من الطَعَامِ، أو قيمة الشَّاة على الحَالِقِ، وَلاَ يرجع بِمَا زَاد؛ لأن الفِدْيَة علىَ التَّخْيِيرِ، وهو مُتَطَوُعٌ بالزِّيَادَةِ، وإن فدى بالصَّوْمِ فَهَلْ يَرْجِع؟ فيه وجهان: