للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحل، ولا يكره نقل ماء زمزم، كانت عائشة -رضي الله عنها- تنقله، وقد روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَهْدَاهُ مِنْ سَهْلِ بْنِ عَمْروٍ عَامَ الحُدَيْبِيَةِ" (١) قال الشَّيْخُ أَبُو الفَضْلِ بْنِ عُبْدَانَ: لا يجوز قطع شيء من ستر الكعبة ونقله وبيعه وشراؤه، خلاف ما يفعله العَامّة يشترونه من بَنِي شَيْبَةَ، وربما وضعوه في أوراق المصاحف، ومن حمل منه شيئاً فعليه رده.

قال الغزالي: وَيُلْحَقُ حَرَمُ المَدِينَةِ بِمَكَّة في التَّحْرِيمِ، وَفي الضَّمَانِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا لا، إِذْ وَرَدَ فِيهِ سَلْبُ ثِيابِ الصَّائِدِ فَهُوَ جَزَاوُهُ، ثُمَّ السَّلْبُ للسَّالِبِ، وَقِيلَ: أَنَّهُ لِبَيْتِ المَالِ، وَقِيلَ: أنَّهُ يُفَرَّقُ عَلَى مَحَاوِيجِ المَدِينَةِ، وَإنَّمَا يَسْتَحِقُّ السَّلْبَ إِذَا اصْطَادَ أَوْ أَتْلَفَ (و)، وَالشَّجَرُ وَالصَّيْدُ فِي السَّلْب سَوَاءٌ.

قال الرافعي: لا يباح التعرض لصيد حرم المدينة وأشْجَارِه، وهو مكروه أو محرم؟ نقل في "التتمة" تردد قول، وحكى بعضهم فيه وجهين، والصَّحيح وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله-: أنه مُحَرَّم لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ مِثْلَ مَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ لاَ يُنْفَرُ صَيْدُهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا" (٢).

وروي أنه قال: "إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا، أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُها" (٣).

ويجوز إعلام قوله في الكتاب: (التحريم) بالواو لمكان الوجه الآخر، وبالحاء أيضاً؛ لأن عند أبي حنيفة أنه لا يحرم.

وإذا قلنا: بالتحريم، ففي ضمان صيدها ونباتها قولان:


= الكعبة، فقد قال الجليمي -رحمه الله- أيضاً: لا ينبغي أن يؤخذ منها شيء. وقال صاحب "التلخيص": لا يجوز بيع أستار الكعبة. وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله- بعد أن ذكر قول ابن عبدان والحليمي: الأمر فيها إلى الإمام، يصرفها في بعض مصارف بيت المال بيعاً وعطاءً، واحتج بما رواه الأزرقي صاحب كتاب "مكة": أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، كان ينزع كسوة البيت كل سنة، فيقسمها على الحاج. وهذا الذي اختاره الشيخ حسن متعين، لئلا يتلف بالبلى، وبه قال ابن عباس، وعائشة، وأم سلمة -رضي الله عنهم- قالوا: ويلبسها من صارت إليه من جنب وحائض وغيرهما. ولا يجوز أخذ طيب الكعبة، فإن أراد التبرُّك، أتى بطيب من عنده فمسحها به، ثم أخذه. (ينظر الروضة ٢/ ٤٤٠).
(١) أخرجه البيهقي (٥/ ٢٠٢) من رواية ابن عباس، وجابر -رضي الله عنهما-.
(٢) أخرجه مسلم (١٣٦٢) من حديث جابر، ومن حديث أبي سعيد (١٣٧٤).
(٣) أخرجه مسلم من رواية سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- (١٣٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>