للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (١) (٢) والأخبار نحو ما روي عن رافع بن خديج


= الفرق بينه ويين المجمل. فهو أن بيان النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما نهى عنه من البيوع وأمره سابق الآية وبيان المجمل مقترن باللفظ أو متأخر عنه على مذهب من يجوز تأخير البيان فاقترفا من هذا الوجه.
وأما الوجهان اللذان يقع بهما الفرق بينه وبين العموم:
فأحدهما: تقديم البيان في المعهود. واقتران التخصيص بالعموم.
وثانيهما: جواز الاستدلال بظاهر العموم فيما اختلف فيه من البيوع. وفساد الاستدلال بظاهر المعهود فيما اختلف فيه من البيوع].
(١) سورة النساء، الآية ٢٩.
(٢) [بيان جهة الدلالة من هذه الآية نقول في تفسيرها ليتضح ذلك أما قوله: {لَا تَأْكُلُوا} فمعناه لا تأخذوا فعبر عن الأخذ بالأكل، لأنه معظم ما يقصد بالأخذ كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} أي يأخذون. وأما قوله: {أَمْوَالَكُمْ} ففيه تأويلان:
أحدهما: أنه أراد مال كل إنسان نفسه أي لا تأخذه فيصرفه في المحظورات.
والثاني: أن معناه لا يأخذ بعضكم مال بعض كما قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا يقتل بعضكم بعضاً. وأما قوله: {بِالْبَاطِلِ} ففيه ثلاث تأويلات:
أحدها: أنه لا يصرف في المحظورات.
والثاني: أن لا يؤخذ الانتهاب والغارات على عادتهم في الجاهلية.
الثالث: أن المراد لباطل التجارات الفاسدة المألوفة عندهم في الجاهلية. وأما قوله: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} فلفظ إلا موضوع في اللغة للاستثناء، لكن اختلف العلماء في المراد في هذا الموضوع على أربعة أقاويل:
أحدها: أن {إلا} في هذا الموضوع لم يرد بها الاستثناء. وإنما معناه معنى لكن فيصير تقدير الآية: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولكن كلوها تجارة عن تراض منكم كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} معناه وما كان لمؤمن أن يقتل عمداً ولا خطأ، لكن إن قتله خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، وبهذا قال أبو إسحاق المرزوي.
الثاني: أن معنى "إلا" في هذا الموضع معنى الواو، ويكون تقدير الآية: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، وكلوها تجارة عن تراض كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} أي والله لفسدتا وكقول الشاعر:
وكل أخ يفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدانِ
أي والفرقدان إيضاً سيفترقان، ولو أراد الاستثناء لقال إلا الفرقدين.
الثالث: أن معنى إلا في هذا الموضوع معنى الاستثناء، غير أنه من مضمر دل عليه مظهر ليصح أن يكون الاستثناء من جنس المستثنى منه فيكون تقدير الكلام: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا بالتجارة إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم. وهذا قول من منع الاستثناء من غير جنسه، وجعلوا ذلك كقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} فإن معناه أحلت لكم بهيمة الأنعام والصيد إلا وأنتم محرمون، فيحرم عليكم الصيد.
والرابع: أن ذلك استثناء من غير جنسه؛ والدليل على جواز الاستثناء من غير جنس قوله =

<<  <  ج: ص:  >  >>