وأما الوجهان اللذان يقع بهما الفرق بينه وبين العموم: فأحدهما: تقديم البيان في المعهود. واقتران التخصيص بالعموم. وثانيهما: جواز الاستدلال بظاهر العموم فيما اختلف فيه من البيوع. وفساد الاستدلال بظاهر المعهود فيما اختلف فيه من البيوع]. (١) سورة النساء، الآية ٢٩. (٢) [بيان جهة الدلالة من هذه الآية نقول في تفسيرها ليتضح ذلك أما قوله: {لَا تَأْكُلُوا} فمعناه لا تأخذوا فعبر عن الأخذ بالأكل، لأنه معظم ما يقصد بالأخذ كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} أي يأخذون. وأما قوله: {أَمْوَالَكُمْ} ففيه تأويلان: أحدهما: أنه أراد مال كل إنسان نفسه أي لا تأخذه فيصرفه في المحظورات. والثاني: أن معناه لا يأخذ بعضكم مال بعض كما قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا يقتل بعضكم بعضاً. وأما قوله: {بِالْبَاطِلِ} ففيه ثلاث تأويلات: أحدها: أنه لا يصرف في المحظورات. والثاني: أن لا يؤخذ الانتهاب والغارات على عادتهم في الجاهلية. الثالث: أن المراد لباطل التجارات الفاسدة المألوفة عندهم في الجاهلية. وأما قوله: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} فلفظ إلا موضوع في اللغة للاستثناء، لكن اختلف العلماء في المراد في هذا الموضوع على أربعة أقاويل: أحدها: أن {إلا} في هذا الموضوع لم يرد بها الاستثناء. وإنما معناه معنى لكن فيصير تقدير الآية: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولكن كلوها تجارة عن تراض منكم كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} معناه وما كان لمؤمن أن يقتل عمداً ولا خطأ، لكن إن قتله خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، وبهذا قال أبو إسحاق المرزوي. الثاني: أن معنى "إلا" في هذا الموضع معنى الواو، ويكون تقدير الآية: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، وكلوها تجارة عن تراض كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} أي والله لفسدتا وكقول الشاعر: وكل أخ يفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدانِ أي والفرقدان إيضاً سيفترقان، ولو أراد الاستثناء لقال إلا الفرقدين. الثالث: أن معنى إلا في هذا الموضوع معنى الاستثناء، غير أنه من مضمر دل عليه مظهر ليصح أن يكون الاستثناء من جنس المستثنى منه فيكون تقدير الكلام: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا بالتجارة إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم. وهذا قول من منع الاستثناء من غير جنسه، وجعلوا ذلك كقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} فإن معناه أحلت لكم بهيمة الأنعام والصيد إلا وأنتم محرمون، فيحرم عليكم الصيد. والرابع: أن ذلك استثناء من غير جنسه؛ والدليل على جواز الاستثناء من غير جنس قوله =