أحدها: في أركانه وهي ثلاثة ترجمها في "الوسيط" فقال: هي العاقد، والمعقود عليه، وصيغة العقد، فلا بد منها لوجود صورة العقد هذا لفظه.
ولك أَنْ تبحث فتقول: إنْ كان المراد أنه لا بد من وجودها لتدخل صورة البيع في الوجود، فالزَّمان والمَكَان وكثير من الأمور بهذه المثابة فوجب أن تعد أركاناً، وإن كان المراد أنه لا بد من حضورها في الذهن ليتصور البيع، فلا نسلم أن العاقد والمعقود عليه بهذه المثابة، وهذا لأن البيع فعل من الأفعال، والبائع لا يدخل في حقيقة الفعل، ألا ترى أنا إذا عددنا أركان الصلاة والحج، لم نعد المصلي والحاج في جملتها، وكذلك مورد الفِعْل، بل الأشبة أن الصِّيغَة أيضاً ليست جزءاً من حقيقة فعل البيع، أَلاَ تَرَى أنه ينتظم أن يقال: هل المعاطاة بيع أم لا؟
ويجيب عنه مسؤول بلا، وآخر بنعم.
والوجه أن يقال: البيع مقابلة مال بمال، وما أشبه ذلك فيعتبر في صحته أمور.
منها: الصيغة.
ومنها: كون العاقد بصفة كيت وكيت.
ومنها: كون المعقود عليه كذا وكذا. ثم أحد الأركان على ما ذكره الصِّيغة، وهي الإيجاب من جهة البائع، بأن يقول: بعت أو اشتريت، أو "ملكتك"، وفي "ملكت" وجه منقول عن "الحَاوِي"، والقبول من جهة المشتري بأن يقول: قبلت، ويقوم مقامه "ابتعت" و"اشتريت" و"تملكت"، ويجري في "تملكت" مثل ذلك الوجه.
وإنما جعلنا قوله:"ابْتَعت" وما بعده قائماً مقام القبول، ولم نجعله قبولاً لما ذكره إمام الحرمين، من أن القبول على الحَقِيقَة ما لا يتأتى الابتداء به.
= يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} وقال تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ}. ولا ينافي ذلك قول من جعلها ستة؛ لأن العاقد يشمل البائع والمشتري، والمعقود عليه يشمل الثمن والمثمن، والصيغة تشمل الإيجاب والقبول-. أما الإشهاد فليس بواجب عليه عندنا بل مستحب. واستدل عليه للاستحباب بقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} هذا مذهبنا، قال به أبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري والشعبي، والحسن، وأصحاب الرأي، وأحمد، وإسحاق وبهذا قال جمهور الأمة من السلف إلى الخلف. قال ابن المنذر: قالت طائفة يجب الاشهاد على البيع، وهو فرض لازم يعصي تاركه، قال: روينا هذا عن ابن عباس: قال وكان ابن عمر إذا بايع بعقد أشهد. قال روينا نحو هذا عن أبي بردة بن أبي موسى، وأبي سليمان المرعشي، واحتجوا بقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} واحتج الجمهور بالأحاديث الصحيحة: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- باع واشترى ولم ينقل عنه الإشهاد فيه" وكذلك الصحابة في زمنه، وبعده، وحملوا الآية الكريمة على الاستحباب لما ذكرناه].