فيه، وما لا كَالدَّوَاب والجَوَاري والعَقَار فلا. وإذا قلنا بظاهر المذهب، فما حكم الذي جرت العادة من الأخذ والعطاء؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه إباحة، وبه أجاب القاضي أبو الطيب -رحمه الله تعالى- حين سأله ابن الصَّبَّاغ عنه، قال: فقلت له: لو أخذ بقطعة ذهب شيئاً فأكله ثم عاد يطالبه بالقطعة، هل له ذلك؟ قال: لا، قلت: فلو كان إباحة لكان له ذلك، قال إِنَّما أَباح كل واحد منهما بسبب إباحة الآخر له.
قلت: فهو إذاً معاوضة، وأصحهما: أن حكمه حكم المقبوض بسائر العقود الفاسدة، فلكل واحد منهما مطالبة الآخر بما سلمه إليه ما دام باقياً، ويضمانه إن كان تالفاً فلو كان الثَّمن الذي قبضه البَائع مثل القِيْمة، فقد قال المصنف في "الإحياء": هذا مستحق ظَفَرَ بمثل حقه والمالك راض، فله تملكه لا محالة.
وعن الشيخ أبي حامد: أنه لا مطالبة لواحد منهما على الآخر، وتبرَّأَ ذمتهما بِالتَّرَاضي، وهذا يشكل بسائر العقود الفاسدة فإنه لا بَرَاءَة، وإن وجد الرِّضَا.
وقوله: "فلا تكفي المُعَاطَاة أصلاً" مُعَلَّم بالواو والحاء والميم، لأن أبا حنيفة يجعلها بيعاً في المُحَقرات الَّتِي جرت العَادَةُ فيها بِالاكْتِفَاء بالأَخْذِ والعَطَاء.
وقال مالك: ينعقد البَيْع بكل ما يعده النَّاس بيعاً، واستحسنه ابْنُ الصَّبَّاغ.
المسألة الثّانية: لو قال: "بعني"، فقال البائع: "بعتك"، نظر إن قال بعد ذلك: اشتريت، أو قبلت انعقد البيع لا محالة، وإلاَّ فوجهان في رواية بعضهم، وكذلك أورده المصنف هنا وقولان في رواية آخرين، وكذلك أورده في "النِّكاح".
أحدهما: أنه لا ينعقد، وبه قال أبو حنيفة والمُزَنِيّ؛ لأنه يحتمل أن يكون غرضه اسْتِبَانة رغبة البائع في البيع.
والثاني: ينعقد وبه قال مالك لأن المقصود وجود لفظ دال على الرضا بموجب العقد، والاستدعاء الجازم دليل عليه، والكلام فيما إذا وجد ذلك.
وعن أحد روايتان كالقولين، وفي نظير المسألة من النِّكَاح طريقان مذكوران في مَوْضِعهما، والأصح فيه الانقعاد باتفاق الأئمة.
وأما هاهنا فادعى صاحب الكتاب أن الأصح المنع، وفرق بينها بأنَّ النِّكَاح لا يجري معاوضة في الغالب، فتكون الرَّغْبة معلومة من قبل، ويعتبر قوله: زوجني اسْتِدعاء جزماً، والبيع كثير ما يقع معاوضة، لكن الذي عليه الجمهور وترجيح الانعقاد هاهنا أيضاً، ولم تتعرض طائفة لحكاية الخلاف فيه.
ولو قال البائع: "اشْتر مِنِّي كذا"، فقال المشتري: "اشْتَرَيت"، فقد سَوَّى بينهما