فإن قلنا: تنعقد، فالشرط أن يقبل المكتوب إليه، كما اطَّلع على الكتاب على الأصح ليقترن القبول بالإيجاب بحسب الإمكان، ولو تبايع حاضران بالكتابة ترتب ذلك على حال النية، إن منعنا فهاهنا أولى، وإلاَّ فوجهان، وحكم الكِتَابَةِ على القِرْطَاس والرّقِّ واللَّوْح والأَرْض والنَّقْش على الحَجَرِ والخَشَبِ واحد، ولا عبرة بِرَسْمِ الأحرف على الماء، وألَّفُوا في مُسْوَدَّات بعض أئمة طَبَرَسْتَانَ تفريقاً على انعقاد البيع بالكتابة، أنه لو قال: بعت من فلان وهو غائب، فلما بلغه الخبر قال: قلت ينعقد البيع، لأن النطق أقوى من الكتابة. وقال أبو حنيفة: لا ينعقد، نعم لو قال: بعت من فلان، وأرسل إليه رسولاً بذلك فأخبره فقيل: انعقد كما لو كاتبه.
قال الإمام: والخلاف في البيع ونحوه هل ينعقد بالكتابة مع النية مفروض فيما إذا انعدمت قرائن الأحوال.
فأمَّا إذا توفَّرَتْ وأفادت التفاهم فيجب القطع بالصحة، نعم النِّكاح لا يصح بالكتابة، وإن توفرت القرائن لأمرين:
أحدهما: أن الإثبات عند الجحود من مقاصد الإِشْهَاد، وقرائن الحال لا تنفع فيه.
والثاني: أن النكاح مخصوص بضرب من التَّعبد والاحتياط لحرمة الأَبْضَاع، وفي البيع المقيد بالإشهاد، وذكر في "الوسيط" أن الظاهر انعقاده عند توفُّر القرائن، وهذا نظر منه في النكاح إلى معنى التعبد دون وقع الجحود.
وقوله في الكتاب:"الصِّيْغَة وهي الإيجاب والقبول" يقتضي اعتبار الصيغتين فيما إذا باع الرجل مال ولده من نفسه، أو بالعكس، نظراً إلى إطلاق اللفظ، وفيه وجهان توجيههما في غير هذا الموضع، فإن اكتفينا بصيغة واحدة، فالمراد ما عدا هذه الصُّورَة، ويتعلق بالصيغة مسائل أخر سكت عنها في الكتاب.
إحداها: يشترط أن لا يطول الفصل بين الإيجاب والقبول، ولا يتخللهما كلام أجنبي عن العقد، فإن طال أو تخلل لم ينعقد، سواء تفرَّقَا عن المجلس أم لا، ولو مات المشتري بعد الإيجاب وقبل القبول ووارثه حاضر فوجهان عن الدَّاركيّ: أنه يصح، والأصح: المنع.
الثانية: يشترط أن يكون القبول على وفق الإيْجَاب حتى لو قال: "بعت بألف صحيحة" فقال: "قبلت بألف قراضاً" أو بالعكس، أو قال:"بعت جميع كذا بألف" فقال: "قبلت نصفه بخمسمائة" لم يصح.