التكليف (١)، فلا ينعقد البيع بعبارة الصَّبي والمجنون لا لنفسهما ولا لغيرهما، سواء كان الصبي مميزاً أو غير مميز، سواء باشر بإذن الولي أو دون إذنه، ولا فرق بين بيع الاختبار وغيره على ظاهر المذهب، وبيع الاختبار هو الذي يمتحنه الولي ليستبين رشده عند مُنَاهَزَة الحلم، ولكن يفوض إليه الاستيام وتدبير العقد، فإذا انتهى الأمر إلى اللفظ أتى به الولي.
وعن بعض أصحابنا: تصحيح بيع الاختبار.
وقال أبو حنيفة: إن كان مميزاً وباع أو اشترى بغير إذن الولي انعقد موقوفاً على إجازته، وإن باع بإذنه نفذ، ويكون دالاًّ على أن الولي أذن له في التصرف في ماله، ومتصرفاً لنفسه إن أذن له في التَّصرف في مال نفسه، حتى لو أذن له في بيع ماله بالغَبْن فَبَاعَ نفذ، وإن كان لا ينفذ من الولي، ووافقه أحمد على أنه ينفذ إذا كان بإذن الولي، لنا أنه غير مكلف فلا ينعقد بيعه وشراؤه كالمجنون وغير المميز.
إذا عرفت ذلك فلو اشترى الصبي شيئاً وقبض المبيع فتلف في يده، أو أتلفه لا ضَمَان عليه في الحال ولا بعد البلوغ، وكذا لو استقرض مالاً؛ لأن المالك هو المضيع بالتسليم إليه، وما داما باقيين فللمالك الاسترداد، ولو سلم ثمن ما اشتراه فعلى الولي استرداده، والبائع يرده على الولي، فإن رده على الصبي لم يبرأ عن الضمان، وهذا كما لو عرض الصبي ديناراً على صَرَّاف ليَنْقُدَهُ أو متاعاً على مُقوِّم ليقوِّمه، فإذا أخذه لم يجز له رده على الصَّبي، بل يرده على وليه إن كان للصبي، وعلى مالكه إن كان له مالك، فلو أمره ولي الصبي بدفعه إليه، فدفعه سقط عنه الضمان إن كان المِلْك للولي، وإن كان للصبي فلا كما لو أمره بإلقاء مال الصبي في البحرِ ففعل يلزمه الضَّمَان.
(١) لغة: من الكلفة بمعنى المشقة، وفي الاصطلاح: قال ابن سراقة من أصحابنا في أول كتابه: "أصول الفقه": حده بعض أهل العلم بأنه إرادة المكلف من المكلف فعل ما يشق عليه اهـ. وقال الماوَرْدي في "أدب الدنيا والدين": الأمر بطاعة، والنهي عن معصية، ولذلك كان التكليف مقروناً بالرغبة والرهبة، وكان [ما] (١) تخلل كتابه من القصص عظة واعتباراً تقوى معها الرغبة ويزداد بها الرهبة. وقال القاضي: هو الأمر بما فيه كلفة: أو النهي عما في الامتناع عنه كلفة، وعدَّ الندب والكراهة من التكليف. وقال إمام الحرمين: هو إلزام ما فيه كلفة، وعلى هذا فالندب والكراهة لا كلفة فيهما، لأنها تنافي التخيير. قال في "المنخول": وهو المختار، وفيه نظر، لأن التخيير عبارة عما خير بين فعله وتركه، والندب مطلوب الفعل مثاب عليه، فلم يحصل التساوي، وما نقلناه عن القاضي تبعنا فيه إمام الحرمين، لكن الذي في "التقريب" للقاضي: أنه إلزام ما فيه كلفة كمقالة الإمام فلينظر، فلعل له قولين. وزعم الإمام أن الخلاف لفظي. والحاصل أنه يتناول الحظر والوجوب قطعاً، ولا يتناول الإباحة قطعاً إلا عند الأستاذ أبي إسحاق، وفي تناوله الندب والكراهة خلاف. ينظر البحر المحيط (١/ ٣٤١).