أحدهما: أن نَبَاتَ اللحية يدل على الذُّكورة، ونهود الثدي على الأنوثة؛ لأن اللِّحىَ إنما تكون للرجال غالباً، وتدلي الثديين للنساء غالباً؛ فيستدل بهما على الذكورة، والأنوثة، وأظهرهما أنه لا عبرة بهما؛ لأنه لا خلاف أن عدم نَبَات اللحية في وقته لا يقتضي الأنوثة، وعدم تدلي الثديين في وقته لا يقتضي الذكورة، ولو جاز الاستدلال بنبات اللحية على الذكورة لجاز الاستدلال بعدمه على الأنوثة؛ لأن الغالب من حال من لا يلتحى في وقته الأنوثة، كما أنِ الغالب من حال من يَلْتَحِي الذكورة.
وأجرى بعضهم الوجهين في نزول اللبن، أيضاً، وذهب بعض الأصحاب إلى أنه تعد أضلاع الخنثى من جانبيه، فإن نقص عددها من الجانب الأيسر فهو دليل الذكورة، وإن تساوى عددها من الجانبين فهو دليل الأنوثة، وظاهر المذهب أنه لا عبرة بذلك، والتفاوت بين الرجل والمرأة في عدد الأضلاع غير مَعْلُومٍ، ولا مُسَلَّم.
ومنها: أن يراجع الخنثى، فإن قال أميل إلى الرجال استدللنا عى الأنوثة، وإن قال أميل إلى النساء استدللنا به على الذكورة؛ لأن الله تعالى أجرى العادة بميل الرجال إلى النساء، والنساء إلى الرجال بالطبع، وهذا إذا عجزنا عن الأمَارَاتِ السابقة، وإلا فالحكم لها؛ لأنها محسوسة معلومة الوجود، وقيام الميل غير معلوم، فإنه ربما يكذب في إخباره، ومن شرط الاعتماد على إخباره وقوعه بعد العَقْلِ والبلوغ، كسائر الروايات والأخبار، ومن الأصحاب من قال: يكفي وقوعه في سِنِّ التمييز، كالحَضَانة يخيَّر فيها الصبي بين الأبوين في سن التَّمْييز، والمذهب الأول، لأن اختيار الخنثى لازم، فلا حكم له قبل البلوغ، كالمولود إذا تداعاه اثنان لا يصح انْتِسَابُهُ قبل البلوغ، والاختيار في الحَضَانَةِ ليس بلازم، ثم يتعلق بفصل الاختيار فروع:
أحدها: إذا بلغ وهو يجد من نفسه أحد الميلين يجب عليه أن يخبر عنه، فإن أخر عصى.
الثاني: لا يخبر بالتَّشهِّي فإنه غير مخير، ولكن يخبر عما يجده من ميله الجِبلِّي.
الثالث: لو زعم أنه لا يميل إلى الرجال ولا إلى النساء، أو أنه يميل إليهما جميعاً استمر الإشكال.
الرابع: إذا أخبر عن أحد الميلين لزمه، ولا يقبل رجوعه بعد ذلك؛ لاعترافه بموجبه، نعم لو وجدت الدلالة القاطعة بعد إخباره عن الذكورة، وهي الولادة غيَّرْنَا الحكم؛ لأنا تيقنا خلاف ما ظنناه، وكذا لو ظهر حمل بعده تبين بطلان إخباره، كما لو حكمنا بشيء من الدلائل الظاهرة، ثم ظهر به حمل بطل ذلك، وقد ذكر هذا الفرع في