للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقابض" أي سواء تجانسا أم لا، وهو مذكور للتَّأْكيد والإيضاح، وإلاَّ ففي قوله: "وعلة تحريم النسأ ... " إلى آخره ما يفيده.

وقوله: "وعلة الربا في النّقْدين كونهما جوهري الأثمان" معلّم بالحاء والألف والواو أيضاً للوجه الصائر إلى أن الحكم فيهما غير معلل، ثم لا بُدَّ من إفادتها حرمة التَّفَاضل من الجنسية، إمَّا شرطاً أو وصفاً كما سبق، ومجرد النَّقْدية في إفادة تحريم النَّسأ ووجوب التَّقابض كمجرد الطّعم، فلذلك قال: "ولا يجوز سلم شيء في غيره إذا كانا مشتركين في علة النّقْدية أو الطعم"، فإن في السّلم يفقد التقابض وكذا الحلول غالباً. وقوله: "أو الطعم" مكرر ذكره مرة في قوله: "وعلة تحريم النَّسأ ... " إلى آخره، وأخرى في قوله: "فإذا بِيْعَ مطعوم بمطعوم ... ، إلى آخره وهذه مرة ثالثة، وقد تورث المبالغة في الإيضاح إشكالاً.

فرع: حيث اعتبر التَّقَابض فلو تفرقا قبل التقابض بطل العقد، ولو تقابضا بعض كل واحد من العِوَضين ثم تفرقا بطل في غير المقبوض، وفي المقبوض قولاً تفريق الصَّفقة. والتَّخَاير في المجلس قبل التَّقَابض بمثابة التَّفرق يبطل العقد خلافاً لابن سريج. ولو وكّل أحدهما وكيلاً بالقبض، وقبض قبل مفارقة الموكّل مجلس العقد جاز وإن قبض بعده فلا.

آخر: بيع مال الرِّبا بجنسه مع زيادة لا يجوز إلا بتوسُّط عقد آخر.

مثاله: إذا أراد بيع دراهم أو دنانير صِحاحاً بمكسرة أكثر من وزنها يبيع الدراهم بالدنانير والدنانير بالدراهم أو بعرض، ثم إذا تقابضا وتفرقا أو تخايرا اشترى بالدراهم، أو بذلك العرض المكسرة.

كما أَمَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عَامِلَ خَيْبَرَ أَنْ يَبِيعَ الجَمْعَ بالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ يَبْتَاعَ بِهَا جَنِيباً" (١). والجنيب هو أجود التمر، والجمع كل لون من التَّمر لا يعرف له اسم، ولا فرق بين أن يتخذ ذلك عادة أو لا يتخذه عادة، خلافاً لمالك حيث قال: يجوز مرة واحدة، ولا يجوز أن يتخذه عادة. ولو اشترى المكسّرة بعَرْض ماله قبل أن يقبضه لم يجز، وإن اشتراها به بعد قبضه وقبل التفرق والتّخاير.

قال ابن سريج وغيره: يجوز، وهو الأصح بخلاف ما لو باعه من غير بائعه قبل التفرق والتخاير، حيث لا يجوز لما فيه من إسقاط خيار العاقد الآخر، وهاهنا يحصل بما يجري بينهما إجازة العقد الأول.


(١) أخرجه البخاري (٢٠٨٠) ومسلم (١٥٩٥) من حديث أبي سعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>