المسألة الثانية: بيع اللحم بالحيوان المأكول من جنسه باطل وهو قول مالك وأحمد خلافاً لأبي حنيفة والمُزنِيّ.
لنا ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ" (١).
وإن باعه بحيوان مأكول لا من جنسه، كما لو باع لحم الشَّاة بالبقرة، فيبنى على أن اللحمين جنس أو أجناس.
إن قلنا: إنهما جنس فهو باطل أيضاً.
وإن قلنا: أجناس، فقولان:
أحدهما: وبه قال مالك وأحمد: أنه صحيح، كما لو باع اللَّحم باللَّحم.
وأصحهما: أنه باطل لعموم الخبر.
روي أن جَزُوراً نحرت على عهد أبي بكر -رضي الله عنه- فجاء رجل بعِنَاق وقال: اعْطُوني جزءاً بهذه العِنَاق، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: لا يصلح هذا.
وإن باعه بحيوان غير مأكول كعبد أو حمار ففيه قولان:
أصحهما عند القَفَّال: المنع لظاهر الخبر.
والثاني: الجواز؛ لأن سبب المنع بيع مال الربا بأصله المشتمل عليه، ولم يوجد ذلك هاهنا وفي بيع الشَّحْم والألْيَة والطّحَال والقَلْب والكِلْية والرِّئة بالحيوان وجهان، وكذا في بيع السّنَام بالأبل.
أحدهما: يجوز؛ لأن النَّهي ورد في بيع اللَّحم بالحيوان.
وأصحهما: المنع، لأنه في معناه، وعلى هذا الخلاف بيع الجِلْد بالحيوان إن لم يكن مَدْبوغاً، وإن كان مدبوغاً فلا منع، وعلى الوجهين أيضاً بيع لحم السَّمك بالشَّاة، ولا يجوز بيع دُهْن السِّمْسم ولا كُسْبه بالسمسم، ولا ببيع دهن الجُوز بلب الجُوز، ولا بيع السَّمن باللَّبن، كما لا يجوز بيع اللحم بالحيوان، وبيع دقيق الحِنْطة بالحنطة.
وذكر الإمام هاهنا إشكالاً وطريق حله.
أما الإشكال، فهو: أن السِّمْسم جنس في نفسه لا أنه دُهن وكُسْب، واللبن جنس في نفسه لا أنه سمن ومَخِيض، ولهذا جاز بيع السِّمْسم بالسِّمْسم، واللبن باللبن، وإن كان لا يجوز بيع الدهن والكسب بالدهن والكسب، وبيع السمن والمَخِيض بالسَّمن
(١) أخرجه مالك في الموطأ (٢/ ٧٠) عن سعيد مرسلاً، والحاكم (٢/ ٣٥) عن الحسن عن سمرة، والبيهقي (٥/ ٢٩٦).